أعلن جو بايدن، الذي يعاني من صحة متدهورة وتخلي رفاق دربه عنه، سياسيا وماليا، رمي المنديل والانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني. فمن أخطائه وزلات اللسان المتكررة إلى الشكوك حول إصابته بمرض باركنسون، تعددت الأحداث التي أساءت بمصداقيته لتبلغ الحضيض في الأشهر الأخيرة.
بعد أن تعالت الأصوات في المعسكر الديمقراطي من أجل إقناعه على التخلي عن خوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية ضد دونالد ترامب لعهدة ثانية، أعلن جو بايدن الأحد في بيان صحفي نشره على حسابه على منصة "إكس" انسحابه من السباق.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد أفادت بأن الرئيس السابق باراك أوباما قال لأشخاص مقربين منه إن مساعده السابق يجب أن "يقيّم بجدية الجدوى من ترشحه". ومن جهته، دعا النائب الديمقراطي في مجلس النواب آدم شيف في 17 تموز/يوليو، الرئيس الأمريكي إلى "تمرير الشعلة".
وباتت نفس الملاحظة متداولة في مجلس الشيوخ، حيث "شدّد" تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في المجلس "على أنه سيكون من الأفضل لبايدن والحزب الديمقراطي وللبلاد أن ينسحب"، حسب ما نقلت شبكة "آي بي سي" الإخبارية.
من جانبه، لم يتردد الممثل جورج كلوني، الناشط جدا في جمع التبرعات للحزب الديمقراطي، في إسماع صوته في 10 تموز/يوليو. ففي عمود بعنوان "أنا أحب جو بايدن ولكننا بحاجة إلى مرشّح جديد" نشر في صحيفة نيويورك تايمز، أكد نجم هوليوود "لن نفوز في نوفمبر/تشرين الثاني مع هذا الرئيس".
ويشار إلى أنه قبل ذلك بأسابيع، أمضى جورج كلوني بعض الوقت مع الرئيس الأمريكي وساعد في منح 28 مليون دولار لحملته خلال حملة جمع التبرعات بلوس أنجلس.
81 عاما...الرئيس الأمريكي الأكبر في السن خلال عهدته
عن 81 عاما، سيكون جو بايدن الرئيس الأمريكي الأكبر سنا خلال عهدته. لكن هذا العمر القياسي مقترن بصحة هشة أثارت شكوك الأمريكيين في إمكانية الفوز بالانتخابات المقبلة، إذ يعتقد 72% منهم أن بايدن لا يتمتع بالصحة العقلية والمعرفية اللازمة للبقاء رئيسا، وفق استطلاع رأي أجرته شبكة "سي بي إس" الإخبارية ونشر نهاية يونيو/حزيران الماضي.
وردا على أسئلة لشبكة "إن بي سي نيوز"، قال الرئيس: "إمكانياتي العقلية جيدة للغاية". وطفح الكيل عندما أصيب الرئيس الديمقراطي مؤخرا بكوفيد-19 خلال رحلة إلى نيفادا.
هل يعالج الرئيس من مرض باركنسون؟
وإذا كان يعلم العديد من متابعي الشؤون السياسية الأمريكية أن جو بايدن يعاني من التأتأة منذ شبابه، ها هو الآن محل شبه في إخفائه لمرض باركنسون. فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن زيارة أحد المتخصصين في مرض باركنسون للبيت الأبيض ثماني مرات بين صيف 2023 وربيع 2024، لا سيما للقاء الطبيب الشخصي لجو بايدن. وعندما سئلت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير عن الموضوع، نفت ذلك على الفور قائلة: "هل يعالج الرئيس من مرض باركنسون؟ كلا (...). هل يتناول دواء ضد مرض باركنسون؟ كلا..."
تكرار الهفوات والأخطاء الفادحة
وفي الأشهر الأخيرة، ارتفعت وتيرة الحوادث والهفوات لدى جو بايدن، كسقوطه أثناء صعود سلم الطائرة وأخطائه وهفواته الفادحة والمتكررة أثناء خطاباته. حتى إيمانويل ماكرون كان موضع حرج في 2 فبراير/شباط الماضي عندما تحدث بايدن في منتصف خطاب كان يلقيه في لاس فيغاس في إطار الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عن لقاء مع فرانسوا ميتران في العام 2021 (عوض ماكرون).
وكان بايدن بداية شهر مارس/آذار الماضي يجري مقابلة مع قناة "إم إس إن بي سي" أعرب خلالها عن أسفه للتدخل العسكري الأمريكي في العراق، وقال: "أمريكا أخطأت. لقد لاحقنا بن لادن حتى قبضنا عليه". لكن لم يكن علينا الذهاب إلى أوكرانيا...". ثم صحح قائلا: "أعني...لم يكن ينبغي علينا أن نغزو العراق وأفغانستان. لم يكن ذلك ضروريا".
ارتباك وتيه في مناظرة ضد ترامب
في 27 يونيو/حزيران وفي مناظرة تلفزيونية على قناة "سي إن إن"، تواجه المرشح الجمهوري للبيت الأبيض دونالد ترامب والرئيس جو بايدن. ومثلما كان متوقعا، أظهر ترامب عداءه، مكثفا هجماته ضد خصمه. وفي المقابل بدا بايدن هزيلا، متأرجحا بين ارتباك في شرحه تارة وفي تيه من أمره تارة أخرى. حتى أنه تفوه بكلمات غير مفهومة استغلها خصمه على الفور قائلا: "حقا، لم أفهم ما قاله في نهاية جملته. لا أعتقد أيضا أنه يعلم ما قاله..."
وفي الأيام التي أعقبت المناظرة، برر جو بايدن أداءه الضعيف برحلاته المتكررة. وقال إنه "لم يكن الأمر ذكيا" لأنه سافر "حول العالم عدة مرات" قبل وقت قصير من هذه المناظرة.
زلّة لسان...لم تُغفر
وفي 11 يوليو/تموز بواشنطن، خلال القمة التي نظمت بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف الناتو، وعلى الرغم من أن كل أنظار العالم كانت متجهة صوب هذه القمة، سقط الرئيس الأمريكي مرة أخرى في متاهة الهفوات. وفي خطاب أخطأ في اسم نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قائلا: "أريد أن أحيل الكلمة لرئيس أوكرانيا، الذي يتمتع بنفس القدر من الشجاعة والعزيمة، أيها السيدات والسادة، الرئيس بوتين!"
لحظة عرفت انزعاجا كبيرا وحيرة بدت على الوجوه في القاعة رغم أن بايدن حاول تدارك الوضع.
وفي مؤتمر صحفي كان منتظرا جدا، أعاد جو بايدن الكرّة مرة أخرى. في رد عن سؤال حول المخاوف المحتملة بشأن قدرة كامالا هاريس، المرشحة لمنصب نائبته، على هزم دونالد ترامب في حال تنحيه، أجاب المرشح الديمقراطي ضاحكا وقال: "لم أكن لِأختار نائبة الرئيس ترامب إذا لم أكن أعتقد أنها كفؤ بذلك".
محاولة اغتيال دونالد ترامب
كان الرئيس السابق دونالد ترامب يحتل موقعا جيدا في السباق إلى البيت الأبيض ثم حظي بدفعة جديدة عندما نجا من محاولة اغتيال في 14 يوليو/تموز خلال اجتماع انتخابي في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا.
وتمكن المرشح الجمهوري عقب هذا الهجوم من صقل صورة الناجي بقبضة يده المرفوعة، والذي لا يمكن سدّ سبيله نحو البيت الأبيض.
وعن عمر ناهز 78 عاما، يبدو دونالد ترامب في حالة أفضل بكثير من خصمه الرئيسي. وعلى الرغم من إصابته في الأذن أثناء هجوم بتلر، عاد بعد بضعة أيام إلى المشهد من جديد لاختتام المؤتمر الجمهوري الذي رشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
أما السؤال الذي يبقى مطروحا الآن يتعلق بمن سيتسلّم الشعلة في المعسكر الديمقراطي لمواجهة دونالد ترامب؟.