يقول العلماء منذ فترة طويلة إن تغيير أنظمتنا الغذائية، من خلال استبدال اللحوم والألبان بالأطعمة النباتية، يمكن أن يساعد في مكافحة تغير المناخ.
لكن تغيير طريقة تغذية سكان كوكب الأرض بأكمله ليس بالأمر السهل.
فأولاً، خيارات الطعام محدودة في بعض الأماكن، كما أن ثقافة الناس مهمة أيضاً، وكذلك الكميات التي نأكلها أو الطريقة التي يتم بها إنتاج الطعامكلها عوامل في الحسبان.
وعلاوة على ذلك، تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالادعاءات الكاذبة والمضللة حول الروابط بين الغذاء وتغير المناخ. نتناول في هذا المقال أربعة من أكثر الادعاءات الكاذبة شيوعاً.
الادعاء 1: اللحوم لا تسبب تغير المناخ
تدعي هذه التغريدة خطأً أن "اللحوم الحمراء لا تسبب تغير المناخ".
كما يشير مقطع الفيديو الذي ظهر في المنشور إلى أن هذه "كذبة" تروجها الصناعات الأكثر تلويثاً؛ "لتحويل اللوم" عن الاحتباس الحراري إلى الحيوانات.
في حين أن حرق الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة لا يزال أكبر مساهم في تغير المناخ، إذ أن تصنيع الغذاء ينتج أيضاً كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان.
وفي الواقع، يقدر العلماء أن ما يصل إلى ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم يمكن ربطها بالنظم الغذائية. ويرتبط أكثر من نصف هذه الانبعاثات بإنتاج الأطعمة الحيوانية.
ولكن ليست جميع الأطعمة الحيوانية متشابهة: فقد تبين أن لحوم الأبقار والضأن على وجه الخصوص هي الأكثر ضرراً على الكوكب.
والسبب هو أن الأبقار والأغنام تطلق غاز الميثان في الغلاف الجوي، كما أنها تتغذى على المراعي التي غالباً ما يتم إنشاؤها عن طريق قطع الأشجار والغابات التي تخزن الكربون.
وقد دفع هذا الأمر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى اقتراح أن "التحول إلى أنظمة غذائية غنية بالأطعمة النباتية" يمكن أن يؤدي إلى "انخفاض كبير" في الانبعاثات.
تقول الدكتورة ماجدالينا جنسن، الخبيرة في النظم الغذائية والتأثيرات المناخية من جامعة كونسيبسيون في تشيلي: "بالنسبة لأولئك الذين لا يرغبون أو لا يستطيعون أن يصبحوا نباتيين، فهناك بدائل أقل كثافة في الانبعاثات، مثل الدواجن أو البيض أو أسماك المزارع التي تعتمد على تقنيات التربية المستدامة“.
الادعاء 2: النظام الغذائي النباتي ليس صحياً
في مقطع فيديو على تطبيق تيك توك تمت مشاهدته آلاف المرات، ادعى أحد المدافعين عن الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم خطأً أن البشر "ليسوا مصممين لأكل النباتات".
كما أشار أيضاً إلى أن تناول الخضروات قد يكون له ثمن على صحة الناس، وذهب إلى حد القول بأن "النباتات تحاول قتلك".
هذه الآراء لا تتوافق مع تلك التي يتبناها معظم أفراد المجتمع الطبي.
إذ توصي منظمة الصحة العالمية باتباع نظام غذائي "يغلب عليه الطابع النباتي وقليل من الملح والدهون المشبعة والسكريات المضافة" كجزء من نمط حياة صحي.
وتقول أيضاً أن الحد من استهلاك اللحوم الحمراء واللحوم المصنعة (مثل النقانق) يمكن أن يساعد في الوقاية من أمراض القلب والسرطان والسكري.
تقول الدكتورة أفتون هالوران، الخبيرة في النظم الغذائية الصحية والمستدامة من الدنمارك: "إن اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة النباتية مع تقليل الأطعمة الحيوانية يمنح الفرد صحة أفضل وفوائد أخرى".
لكن مثل هذه الأنظمة الغذائية يمكن أن تنطوي أيضاً على مخاطر.
وتضيف هالوران: "يجب على الأفراد الذين يتبعون نظاماً غذائياً نباتياً أن يكونوا على دراية بمخاطر النقص الغذائي المحتمل".
كما لا تتمتع جميع الأطعمة النباتية بنفس الفوائد الصحية أيضاً: في الواقع، يمكن أن تصنف بعض البدائل النباتية، مثل بدائل اللحوم، على أنها أطعمة فائقة المعالجة.
وهذا يعني أنها يمكن أن تحتوي على نسبة عالية من الملح والدهون المشبعة والسكريات - والتي ثبت أنها تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها من المشاكل الصحية.
الادعاء 3: الأنظمة الغذائية النباتية أسوأ لكوكب الأرض
تقول التغريدة أعلاه: "يقولون إن استهلاك اللحوم مضر بالكوكب".
"لكنهم لا يقولون (ربما بسبب جماعات الضغط) أن حبة لوز واحدة في كاليفورنيا تحتاج إلى 12 لتراً من الماء، وموزة إلى 160 لتراً، وكيلو أفوكادو يحتاج إلى 2000 لتر إضافي".
تشير مثل هذه المنشورات إلى أن الأطعمة التي يفضلها المستهلكون المهتمون بالمناخ أسوأ للبيئة من اللحوم، وليس هذا هو الحال بالضرورة.
لنأخذ الأفوكادو كمثال.
صحيح أن زراعة الأفوكادو تتطلب حوالي 2000 لتر من الماء (في المتوسط) لكل كيلوغرام من الفاكهة، وفقاً لبحث أجراه معهد IHE Delft للتثقيف المائي في هولندا.
وبأي مقياس من المقاييس، فإن ذلك يمثل كمية كبيرة من المياه - ومن المعروف أن إنتاج الأفوكادو في بلدان مثل بيرو أو تشيلي، قد شكل ضغطاً كبيراً على موارد المياه.
لكن إنتاج كيلوغرام واحد من اللحم البقري يمكن أن يتطلب كمية أكبر من المياه: في المتوسط، حوالي 15.500 لتراً، وفقاً لشبكة البصمة المائية.
وتأتي نسبة كبيرة من الأفوكادو في العالم من أمريكا اللاتينية، مما يعني أنه يتعين نقلها لمسافات طويلة للوصول إلى المستهلكين في جميع أنحاء العالم، وهذا يكون باستخدام وسائل نقل تعمل إلى حد كبير بالوقود الأحفوري.
وقد أدى ذلك إلى اتهام بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للمستهلكين المهتمين بالمناخ بـ "النفاق" لاختيارهم المواد الغذائية التي لا تُزرع محلياً.
ولكن يتم أيضاً شحن كميات كبيرة من لحوم الأبقار في جميع أنحاء العالم كل يوم: انظر فقط إلى البرازيل، أكبر مصدر للحوم الأبقار في العالم، والتي تشحن آلاف الأطنان منها إلى الصين كل عام.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه بالنسبة إلى معظم المنتجات الغذائية، يُمثل النقلُ أقل من 10 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
يقول دانيال بلوم، الخبير الأرجنتيني في النظم الغذائية المستدامة: "ما نأكله (والآثار البيئية لإنتاجه) أكثر أهمية من مصدره".
الادعاء 4: "النخب" تتآمر للسيطرة عليك
يمكن العثور على المنشورات التي تربط بشكل خاطئ بين التحولات الغذائية ونظريات المؤامرة عبر عدة لغات.
تزعم التغريدة أعلاه، المكتوبة باللغة الروسية، أن "النخبة" تحاول "إقناع الجمهور بضرورة تناول الحشرات". وتتساءل بشكل غامض: "ما الذي يقف وراء هذه الحملة الهائلة لتغيير أنظمتنا الغذائية بشكل جذري؟"
تستغل منشورات كهذه نظريات المؤامرة المعروفة التي تزعم أن الأثرياء والأقوياء يتآمرون سراً لتقييد حريات الناس.
يُنظر إلى تغيير الأنظمة الغذائية للمساعدة في معالجة التغير المناخي - من خلال إجبار الناس على أكل الحشرات - كجزء من خططهم الشريرة.
لا يوجد دليل يدعم أياً من هذه الادعاءات. في الواقع، في بلدان مثل تايلاند أو المكسيك أو غانا، كانت الحشرات جزءاً من النظام الغذائي لبعض الناس لفترة طويلة.
لكن هذه الادعاءات تستغل مشاعر حقيقية عميقة الجذور من الظلم وعدم المساواة.
وفي بعض البلدان ذات الدخل المنخفض، حيث قد تفتقر الأنظمة الغذائية إلى التنوع، تظل اللحوم والألبان مصادر رئيسية للبروتين والمغذيات الدقيقة. وفي بلدان أخرى، يمكن أن يُنظر إلى استهلاك اللحوم على أنه رفاهية تقتصر على الأثرياء القادرين على تحمل تكاليفه.
ولهذا السبب، عندما يدعو السياسيون أو الحكومات أو الهيئات الدولية الناس إلى تغيير أنظمتهم الغذائية، قد يشعر البعض أن هذه الدعوات غير عادلة أو نخبوية أو حتى استعمارية جديدة.
يقول ريتشارد كاتشونغو، وهو خبير في النظم الغذائية يعمل مع مبادرة المزارعين الشباب الناشئين في زامبيا: "في حين أن الدعوة مفهومة من وجهة نظر الاستدامة والأخلاق، إلا أنها غير مجدية تماماً في سياقنا الحالي".
وتشير الأبحاث أيضاً إلى أن الأضرار الاقتصادية المحتملة الناجمة عن الحد من استهلاك اللحوم قد تقع بشكل غير متناسب على البلدان الأكثر فقراً، التي قد لا تزال الزراعة وتربية الماشية توفر مصادر دخل مهمة فيها.
يقول إيفانز موسواهيلي لاديما من شبكة النظم الغذائية في منطقة البحيرة، وهي منظمة غير ربحية في كينيا: "يجب الحد من الاستهلاك المفرط للحوم بشكل كبير في الدول ذات الدخل المرتفع والمتوسط أولاً".
في تلك البلدان، تظل التحولات الغذائية مسألة اختيار شخصي إلى حد كبير: لم تفرض أي حكومة حتى الآن حظراً على استهلاك اللحوم أو منتجات الألبان لأسباب مناخية، ولا يوجد ما يشير إلى أن هناك حظراً قيد الإعداد.
لكن "ما نأكله يجب ببساطة أن يتغير""، كما يقول الدكتور هالوران.