يتوقع الكثيرون بأن مرحلة مابعد الانتخابات الأميركية ستكون السياسة الأميركية فيها مختلفة تجاه المنطقة وخصوصاً تجاه اليمن ، ورغم صحة تلك التوقعات لكن حجم التغيّرات ونوعها لن تكون إلى حد قلب الموازين في المنطقة ،بل ربما تسير نحو تثبيتها قدر المستطاع "إن أمكن ذلك" ،سواء فاز مرشح الديمقراطيين أو فاز ترامب عن الجمهوريين.
وهنالك عدة أسباب تفسر ذلك أهمها :
١- الأولويات الاستراتيجية في الصراع مع روسيا وآثار ذلك على الحرب الأوكرانية ،وكذلك ملف التنافس المحموم مع الصين والفرق بين ترامب ومرشح الديموقراطيين أياً كان ذلك المرشح ،من حيث مستوى التنافس مع أي من الدولتين وكذلك في الأولوية : هل الأولوية لاحتواء الصين كما يعتقد ترمب ، أم الأولوية لهزيمة روسيا كما يعتقد الديموقراطيون ؟!.
٢- صراع مابعد الانتخابات حول استعادة الوحدة الوطنية الأمريكية والتمكين للسلطة خاصة إذا نجح ترامب ، ودعونا لا ننسى أن حالة الإنقسام وصلت إلى حد محاكمة ترامب في تهم جنائية متعددة ،بل وصل الأمر إلى محاولة اغتياله ، وتبعات إصلاح ذلك الإنقسام إن أمكن إصلاحه سيتطلب أشهراً طويلة إن لم تكن سنوات ،وربما تستهلك الفترة الرئاسية كاملة للفائز ،إضافة إلى المشكلات الداخلية الأخرى .
٣- التوازنات في المنطقة ليست حالة طارئة أو تخلقت بفعل الصدفة بل هي حالة عميقة ومتجذرة ،ومستجدات حرب غزة عززت قوة الأطراف المعادية للصهيونية وجعلت مسألة العودة إلى ماقبل السابع من أكتوبر مستحيلة ،واذا أرادت أمريكا إعادتها عليها أن تترك أولوياتها الداخلية وكذلك الاستراتيجية في ظل مواجهة الدول المنافسة العظمى خلال تحولات عالمية جذرية في ادارة العالم بفلسفة تعدد الأقطاب الواعدة وهذا مستحيل .
٤- اتفاقيات تطبيع العلاقات بين دول المنطقة وعلى رأس ذلك المصالحة السعودية الإيرانية التي رعتها الصين ووقف حرب اليمن وكذلك المصالحة السعودية القطرية بالإضافة إلى المصالحات مع تركيا ، وما ترتب على تلك المصالحات من إنهاء للصراعات في المنطقة عموماً وخلق استقرار نسبي لم تشهده المنطقة منذ الربيع العربي بل منذ غزو العراق والذي يصعب التخلي عنه والعودة إلى ماقبله كما يستحيل على أمريكا إعادة فكرة التطبيع التحالفي مع إسرائيل كقوة مهيمنة تدير المنطقة بمنطق تقسيمها وإعادة الصراعات فيها ،كما يستحيل دمجها بحجمها الحقيقي أي دولة طبيعية صغيرة بحكم واقعها الجيوسياسي ومختلفة فكرياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً عن محيطها من دول المنطقة .
لكل ماذكرنا سابقاً يصبح الرهان اليوم على مابعد الانتخابات الأميركية وفوز ترامب أو غيره رهان خاسر وقراءة سطحية وربما مجرد أمنيات وأوهام .
وعليه فمأزق إسرائيل مع اليمن لن تغيره أمريكا لا اليوم ولا غداً ،ومن لايزال يعيش وهم عودة الهيمنة الأميركية الصهيونية للمنطقة وإعادتها كما كانت قبل حرب أوكرانيا -ومعظمهم من الافراد والجماعات المتنطعة- فهم يركضون خلف سراب ،أما دول المنطقة فإنها تعي ماسردناه حتى وإن لم تعبر عنه في خطاباتها الرسمية .