أربع مدارس خاصة في حارة واحدة. كانت عبارة عن عمارات تتألف كل منها من عدة شقق زوجية أو فردية في كل طابق، وذلك بحسب المساحة. تم إخراج المستأجرين بدعوى أن صاحب البيت يريد تزويج أبنائه دفعة واحدة، وهي النغمة التي أصبح كل صاحب عمارة يجيدها حتى إذا لم يكن لدي أبناء أساسا. فإذا بعمارته تلك قد تحولت إلى مدرسة ذات اسم رنان. يُطلى الحوش ببضع رسوم تحث على العلم والتعلم، ويؤتى بقلاب خرسان ليتم به فرش الأرضية لتصبح ساحة مدرسية. وهكذا يمكن لكل عمارة لديها حوش أن تتحول إلى مدرسة يحرص القائمون عليها على الترويج لها عبر طبع نشرات ورقية يتم توزيعها عند باب كل مسجد خصوصا في صلاة الجمعة. أما العمارات التي ليس لديها أحواش فيمكن لها هي الأخرى أن تغدو مستشفيات. فالمستشفيات ليست بحاجة إلا ساحة، حيث ليس لديها طابور صباحي، والضجيج ليس مسموحا به حفاظا على حياة المرضى.
ولأنها شقق تم بناؤها للسكن، حيث عادة ما تتألف من مجلس بحمام مستقل، ثم باب يفضي إلى الداخل فصالة صغيرة فغرفتين أو ثلاث فحمام آخر فمطبخ وينتهي الأمر، فإنك ترى غرفة المطبخ قد تحولت إلى معمل للمدرسة أو مختبر للمستشفى مكتوبا عليها لوحة: ممنوع الدخول لغير العاملين، والمجلس قد أصبح مكتب الإدارة والسكرتارية لهذه أو قسم الطوارئ لتلك. مع الحرص طبعا على إبراز شهادات الخبرة وحسن السيرة والسلوك في جدران الغرف الرئيسية وعلى المدخل، خصوصا تلك الممنوحة لهم بسخاء والمختومة بختم وزارة التربية أو وزارة الصحة.
إنه التعليم والتطبيب على أصوله، حيث يصبح بإمكانك الحصول على ترخيص لمدرسة أو لمستشفى بكل سهولة، وما عليك سوى الذهاب إلى الوزارة المعنية، وهناك هم من سيتولى بقية الأمور ويوفرون لك ما تحتاجه من شهادات الخبرة والجودة العالمية ويوفرون لك المنهج واللواصق، وإذا اقتضى الأمر وكنت من ذوي الجيوب الأكثر اتساعا فقد يأتي الوزير يحيى الحوثي أو طه المتوكل بنفسه لافتتاح منشأتك، ويُحضر معه نصر الدين عامر من باب الحرص على تغطية أنشطة الرجلين (بضم الجيم).
هل هناك داع لذكر أسماء مدارس ومستشفيات في حارة واحدة؟! لا داعي لذلك لأن الفضائح ينبغي التستر عليها، خصوصا إذا كان الوزيران أحدهما أخا لزعيم الجماعة، والثاني خطيبا مصقعا في جامع الحشحوش، وبالتالي كلاهما من المؤمنين الصادقين. كما أن الحديث ليس عن حارة محددة من حواري صنعاء، فكل الحواري على نفس المنوال، ويكفي فثط توجيه سؤال عابر لأي عاقل حارة قد يصادفه المرء في طريقه خصوصا من أولئك المنتفخة أوداجهم إثر توزيع صفقات الغاز والمساعدات والزكوات: كم عدد المدارس والمستشفيات الخاصة في حارتك؟
لا يقتصر الأمر فقط على تلك الفضائح. فالمستشفيات الحكومية أصبحت خاصة بامتياز، ويكفي الذهاب إلى واحد منها، كالثورة أو العسكري أو الشرطة، للاطلاع عن كثب كيف يتم سلخ جيوب المرضى قبل أن يتم سلخ أرواحهم عنهم. هذا بالنسبة لوزارة المتوكل صاحب القاوق الذي ظل لسنوات يتحدث عن ارتفاع سعر بيضة الدجاج أسوة بصعتر. أما بالنسبة لوزارة الحوثي فهي موات في ثوب محتضر. حيث يذهب المواطن لتسجيل أبنائه في المدارس الحكومية فيتفاجأ برسوم عشرة آلاف ريال على كل طالب. أما المدارس ذات الخمسة نجوم كثانوية عبد الناصر فإن الرسوم تتجاوز المائة والمائتي ألف إلى ثلاثمائة ألف ريال للقسم العربي (خمسة نجوم) وإلى خمسمائة ألف ريال للقسم الإنجليزي (سبعة نجوم). مع مفارقة ربما مؤلمة لكنها ساخرة تماما، وهي أن الطبيب والمعلم بلا راتب. تلك هي حالة المدارس والمستشفيات في عهد جماعة أنصار الله الحاكمة: مزيدا من الجهل.. مزيدا من المرض.. مزيدا من اللا مزيد.