• الساعة الآن 06:43 AM
  • 6℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

تحت السطوة : أزمة التعليم في مناطق سيطرة أنصارالله

news-details

خاص | النقار 

التعليم الحكومي بشكل عام في صنعاء وبقية مناطق سيطرة أنصار الله يمر بأسوأ مرحلة تاريخية. حيث تراجع مستوى التعليم والتحصيل العلمي، وانصرف المعلمون، وتناقص الطلاب من الإقبال على المدارس، نتيجة رداءة الاستفادة الفعلية، بالإضافة لتجنبهم آثار تسخير أنصار الله للتعليم. إذ يشتكي المواطنون في هذه المناطق من تحويل التعليم الحكومي إلى مراكز تعبئة فكرية، من خلال إلزام الطلاب بتنظيم إذاعات مدرسية عن أدبيات الحوثيين ومناسباتهم، وإجبارهم على الانخراط في الصرخة والعاطفة الأيديولوجية. هذه الأمور أرغمت المواطنين على البحث عن مدارس بديلة وخاصة يكونون فيها أكثر أمانًا وسلامة وفائدة علمية. لهذا تزايد الإقبال على المدارس الأهلية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الرسوم السنوية في المدارس الخاصة، وعزوف كبير عن المدارس الحكومية. هذه النتائج تم التحذير منها قبل أعوام عبر منظمة اليونيسف المعنية بالطفولة، حينما تحدثت ممثلة المنظمة في اليمن عام 2017 الدكتورة ميريتشل ريلانيو عن أن تعليم أربعة ملايين ونصف المليون طفل في 13 محافظة يمنية على المحك. مبررة تدهور التعليم بقطع الرواتب لأكثر من 166 ألف معلم ومعلمة في 13 محافظة، بما يعادل 73% من إجمالي الكادر التعليمي في اليمن بدون رواتب منذ فترة طويلة، مؤكدة أن معظم الطلاب في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المسلحة يتلقون تعليمًا أقل أو لا يحصلون على تعليم بالمطلق.

رسوم التعليم الحكومي

ما تزال إشكالية رفع وزارة التربية والتعليم التابعة لسلطة صنعاء رسوم التسجيل بالمدارس الحكومية تثير تذمرًا عامًا، إذ يشتكي المواطنون منذ عامين من رفع رسوم المدارس الحكومية، في الوقت الذي تصر فيه وزارة التربية والتعليم على تجاهل الأمر وتبريره بأنه مساهمة مجتمعية لدعم المعلمين. رسوم التسجيل في المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم في مناطق سيطرة أنصار الله الحوثيين هذا العام 2024 تبلغ ثمانية آلاف ريال، نصفها تُحسب للفصل الأول، والنصف الآخر للفصل الثاني. هذه المبالغ تعتبر مرتفعة ولا يتمكن البعض من دفعها، خصوصًا الأسر التي تملك عددًا من الأبناء. بعض الأسر أوقفت أبناءها عن التعليم نتيجة العجز في تسديد الرسوم. هذه حقائق يتحدث عنها الكثير من المواطنين.

وللتأكد من أسعار ورسوم تسجيل الطلاب في المدارس الحكومية، قمنا في شبكة النقار عبر مراسلنا في صنعاء بزيارة ثلاث مدارس حكومية: مدرسة ابتدائية للبنات، ومدرسة أخرى ابتدائية للبنين، ومدرسة ثانوية للبنات. الأولى التسجيل فيها بـ 4500 ريال للفصل الدراسي الأول، والثانية بـ 3200 ريال للفصل الأول، والثالثة بـ 8000 ريال للعام الدراسي بأكمله. سألنا المدرستين عن بيان وزارة التربية والتعليم الذي أصدرته قبل عامين، ويقولون فيه إن التسجيل بـ 250 ريالًا لا غير. فقالوا: "هذا الكلام ليس له أساس من الصحة!" وحين سألنا أيضًا عن الذين لا يملكون هذه المبالغ للتسجيل، ماذا عنهم، قالوا: "عليهم أن يتصرفوا، ويجب أن يدفعوا رسوم التسجيل كاملة!"

رسوم المدارس الأهلية

تراجع مستوى التعليم الحكومي وتزايد مخاوف استغلاله أدى إلى ارتفاع كبير في الإقبال على المدارس الخاصة، مما تسبب في رفع الرسوم وزيادة المدارس الربحية. أسعار بعض المدارس الأهلية في صنعاء تتجاوز خمسمائة ألف، وستمائة ألف وربما سبعمائة ألف للصفوف المتقدمة. أيضًا توجد مدارس أهلية صغيرة وغير حديثة تتراوح أسعارها بين 200 ألف، أقل قليلاً أو أكثر قليلاً، مع إقبال كبير جدًا، كون التعليم الخاص أصبح الملاذ والبديل المنطقي للتعليم بشكل عام في هذه المناطق. ولكن الأهالي يشتكون من عجزهم عن سداد رسوم أبنائهم، وهنا ظهرت عدة إشكاليات بين الأهالي والمدارس الخاصة.

تحدثنا في شبكة النقار الإخبارية إلى بعض أولياء الأمور، أحدهم اشتكى قبل نهاية اختبارات العام الماضي: يقول المواطن أنس الرفاعي: "المدرسة الأهلية منعت ابنتي من دخول الاختبار النهائي بعد أن دفعت لهم 15 ألفاً من رسوم الترم الثاني، ولكنهم أخرجوها من بين الطلاب بحجة أن رسومها لم تُستوفَ بعد. وفي البيت كانت ابنتي الصغيرة مكسورة وشاردة وتشعر كأن العالم فوق رأسها نتيجة الإحراج والمنع." يضيف الأب: "وفي اليوم التالي، ذهبت للحديث مع إدارة المدرسة وطلبت منهم إدخالها الاختبارات على أن أسدد لهم رسومها، ولكني تفاجأت بأن هناك الكثير من أولياء الأمور مثلي تمامًا، أبناؤهم وبناتهم ممنوعون من الاختبارات بسبب تأخير الرسوم. لأتأكد حينها بأن الجميع عاجز عن دفع الرسوم مثلي تمامًا."

بالمقابل، تواصلنا مع أحد مديري ومالكي المدارس الأهلية بصنعاء، الأستاذ والتربوي رياض الكوكباني، للحديث عن إشكالية رسوم المدارس الأهلية وعجز المواطنين عن الإيفاء بها. يقول الكوكباني: "لي ثلاثة أشهر عاجز عن سداد إيجار المدرسة التي أملكها. وحتى الآن، ما زلت أحاول تصفية متأخرات رواتب بعض المعلمين من شهور سابقة، وللآن لم أستوفِ إلا 50% من رواتبهم. هذا حالي كمالك مدرسة أهلية صغيرة يراعي الجانب الإنساني، لا أحد يرحمنا، وولي الأمر والله عاجز عن سداد المبلغ الشهري بانتظام، لكن فلوس التعليم مثل الزلط الحرام يستحرمون سدادها إلا بكسر رؤوسنا للأسف. يكفي التربية وجهات الدولة التي تبتزنا باسم أولياء الأمور، غير القادرين على التعليم الحكومي بألف ريال. هذا الموضوع أكبر من ذلك بكثير. إجراءات التربية ضد المدارس جعلت ولي الأمر يتمرد على المدرسة، والدولة منزعجة من دور المدارس الأهلية وتستغل كل كلمة."

شماعة المعلمين

تشهد صنعاء، منذ عشرة أيام، إضرابًا عامًا لعدة مصانع مياه، لرفضهم إضافة مبالغ على قيمة الماء، بعد طلب سلطة الحوثيين إضافة ريال على كل علبة ماء لصالح ما يسمى صندوق المعلم. بحسب ملاك لمصانع مياه حدة وشملان وسام وصنعاء، فإن سلطة أنصار الله طلبت منهم قبل مدة تخفيض أسعارهم للمواطنين الذين يمرون بمرحلة صعبة جدًا، وعليه يجب عليهم تخفيض أسعارهم وإلغاء رسومهم الإضافية. ولأن الطلب معزز بمبررات اجتماعية، وافقوا وخفضوا بعض أسعارهم، لتثبت الأسعار عند مائة ريال للعلبة الماء، بعد زيادتها حتى مبلغ 150 ريال للعلبة الواحدة. ليتفاجأوا الشهر الماضي بفرض زيادة جديدة لصالح صندوق المعلمين، بإضافة مبلغ ريال واحد لكل علبة مياه تباع، وهذه بالمجمل تصبح ملايين الريالات لصالح ما يسمى صندوق رواتب المعلمين. بالمقابل، أعلنت خمسة مصانع كبرى في صنعاء إضرابها التام عن إنتاج المياه رافضة هذه الزيادة غير المبررة.

سلطة أنصار الله، ومنذ سنوات،  ألزموا التجار ورجال الأعمال بإضافة مبالغ لصالح صندوق رواتب المعلمين، وهو الصندوق الذي لا يدفع رواتب المعلمين. غير أنها مبالغ ضخمة يتم توريدها شهريًا لحسابات السلطة، دون أن يعلم أحد ماهو مصيرها. من جهة متصلة، تواصلنا بعدة معلمين حكوميين، لنسألهم عن صندوق رواتب المعلمين، وهل يقوم بدفع رواتبهم؟ ثلاثة أجابونا بأنهم لا يتلقون رواتبهم منذ سنوات، وشخصان أجابونا بأنهم يتلقون سلال غذائية كمعونات شهرية بديلة لرواتبهم.

خاتمة

هذه معظم تفاصيل العملية التعليمية في مناطق سيطرة أنصار الله الحوثيين. ولكن، ومن جهة متصلة، لو قمنا بمقارنة أسعار التعليم الحكومي قبل استحواذ الحوثيين على السلطة، سنجد الرسوم لا تتجاوز 200 ريال، مع كتب جديدة لكل طالب، وهو ما لا يجده طلاب اليوم. كذلك، المدارس الأهلية لم تكن أسعارها تتجاوز 50 ألف ريال للمدارس المتوسطة أو 100 ألف ريال للمدارس الحديثة. هذه الفوارق تعد شاسعة جدًا في فترة وجيزة. أيضًا، يشتكي المتابعون من سياسة أنصار الله في تحويل المدارس إلى تجارات، من قبيل تحويل سور مدرسة الشعب الثانوية وعدة مدارس أخرى إلى دكاكين ومحلات للإيجار. كذلك، مطابع الكتاب المدرسي، المطابع الحكومية للكتب التابعة لوزارة التربية والتعليم، تحولت إلى مطابع ربحية تطبع الكتب بمبالغ كبيرة للمدارس الأهلية والأسواق السوداء، دون مراعاة طلاب المدارس الحكومية.

شارك الخبر: