يطمح المهاجرون للهجرة إلى أميركا التي كانت ولا تزال بلاد الفرص والأحلام والحرية، إذ تتاح الفرص للجميع ولا يحتاج الإنسان إلى محسوبية أو وساطة لتحقيق أهدافه، بل إلى الجد والاجتهاد، فكل عوامل النجاح متوافرة بشرط أن يعمل الشخص بجد لتحقيق ما يصبو إليه.
"وما نيل المطالب بالتمني"، بهذه الكلمات عبّر عمدة مدينة هامترامك بولاية ميشيغان الأميركية الطبيب أمير غالب عن تجربته كمهاجر في أميركا، حيث ألقى عصا الترحال منذ عام 1998 وقضى ما يقارب 26 سنة يعيش فيها بعد قدومه من اليمن.
أول عمدة مسلم
التجربة التي قادت الطبيب اليمني إلى الفضاء السياسي الأميركي بدأت عندما قدم إلى الولايات المتحدة بعد إنهاء الصف الثاني الثانوي للعمل وتحقيق طموحه.
وبعد 23 عاماً من الحل والترحال، وفي أواخر 2021 أصبح أول عمدة عربي مسلم لمدينة هامترامك على رغم التحديات والصعوبات التي واجهها، فرحلته لم تكُن سهلة، لكنها كانت مليئة بالطموح والإصرار، مما دفعه إلى تحقيق هذا الإنجاز البارز.
يقول أمير غالب لـ"اندبندنت عربية"، "ليست ضربة حظ بقدر ما هي رحلة كفاح، فالحياة تتطلب الجد والاجتهاد. ولكي يحدث الإنسان تغييراً إيجابياً في المجتمع الذي يعيش فيه، لا بد من أن يعمل وفقاً لذلك".
وكما هي حال السياسة في البلدان المتقدمة فهي ترفع ساسة وتضع آخرين، وبعد ثلاثة أعوام من فوزه على منافسته ما جاوسكي البولندية الأصل في انتخابات عمدة المدينة أواخر 2021، تحسنت الخدمات العامة والأمن وصنفت هامترامك على أنها الأكثر تنوعاً ونمواً سكانياً واقتصادياً وتجارياً في ولاية ميشيغان بعدما ظلت لـ10 سنوات تعاني عجزاً في الموازنة.
سجال بين الإدارتين
يقول عمدة مدينة هامترامك إن أهم تحدٍّ أمام الإدارة الجديدة كان العجز الكبير منذ 10 أعوام في الموازنة، إذ سقطت المدينة سابقاً مرتين تحت إدارة الطوارئ بسبب الفشل المالي والإداري، بمعنى أن تؤول الولاية لتدير المدينة.
ويضيف غالب أنه "في 2021 أي خلال العام نفسه الذي توليت فيه المنصب مع الإدارة الجديدة، قفزت الموازنة من العجز إلى الفائض، وهذه هي ثالث سنة نحقق فيها فائضاً، وهناك تحسن كبير في مجال البنية التحتية للمدينة يشهده الجميع، إذ نوليها الرعاية وننفق عشرات ملايين الدولارات سنوياً".
وفقاً لتقرير عن الصحة المالية للمدينة للسنة المالية 2021 – 2022 صادر عن مركز الإرشاد التابع لجامعة ولاية ميشيغان لتمويل وسياسات الحكومة المحلية، فإن الدخل تضاعف تقريباً في 2021 و2022 و2023، وحققت الموازنة خلالها فائضاً.
وعن رؤية الطبيب اليمني لخططه المستقبلية بالنسبة إلى المدينة الصغيرة، أوضح أن "دخول الجالية العربية بالذات في المجال السياسي والخدمي ضعيف جداً. لم يكُن هناك موظف واحد داخل مبنى البلدية من أصول عربية حينما تقلدت منصب العمدة، وكان هناك عزوف غريب من الجالية العربية عن الانضمام إلى العمل السياسي والخدمي، وكانت المرحلة بالنسبة لي صعبة أن أحدث تغييراً في مبنى البلدية".
تنوع عرقي
وتعدّ هامترامك مدينة المهاجرين المتنوعة وأكثرها ازدحاماً في ولاية ميشيغان ويصل عدد سكانها إلى 28 ألف نسمة غالبيتهم مهاجرون، وتعدّ الجالية اليمنية أكبر أقلية بنسبة 30 في المئة، ثم البنغالية، وتأتي بعدهما الأقليات الأخرى من البولنديين والأوكرانيين والأفريقيين السود والبيض ودول أخرى، وهناك 28 لغة يتحدثها الطلاب في المدارس.
وأوضح غالب أن "عمدة هامترامك" تلتزم الحياد في ما يتعلق بالقضايا الخلافية كالمثليين، وتمنع نشر الكتب غير الأخلاقية في المدارس، ورفع أعلام المثليين الشواذ في الأماكن العامة و"كان هذا قراراً تاريخياً" أو الأعلام التي تخص جماعات دينية وعرقية أو جنسية أو وثنية أو سياسية عدا العلم الأميركي وعلم الولاية وعلم المدينة التي ترفع في الممتلكات العامة وفي مبنى الولاية.
الإسلاموفوبيا
وعن سؤالنا كيف ينظر الأميركيون أنفسهم إلى عمدة عربي مسلم؟، قال إن "هناك من ينظرون بتوجس وعدم ثقة، خصوصاً من كانوا في سدة الحكم، ولكن نتعامل معهم بحذر وفق القانون ونحاول تجنب الصدام وتقسيم المجتمع بقدر الإمكان، ونسعى إلى المحافظة على الوحدة والتركيز على الأولويات وعدم الخوض في هذه المسائل التي تلهينا عن عملنا وعن أهدافنا الرئيسة".
وأشار غالب إلى أن تركيز الإعلام سلبي على المدينة، ودائماً ما يذكر أنها المدينة التي يحكمها المسلمون إذ يديرها عمدة مسلم، معتبراً أن هذا الأمر غير مهني. وأضاف "نحن أميركيون مثل كل الناس الذين يتقلدون مناصب ولا يذكرون لا دينهم ولا خلفيتهم".
ينتمي عمدة مدينة هامترامك إلى منطقة العود في محافظة إب وسط اليمن، وهو أب لثلاث بنات، وصل إلى أميركا مهاجراً وحصل على بكالوريوس العلوم الطبية من جامعة "وين ستيت" عام 2005 وحصل على البورد الأميركي في الطب من "جامعة راس".