• الساعة الآن 03:02 PM
  • 26℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

سلطة صنعاء وعقلية يحيى حميد الدين

news-details

خاص | النقار

يبدو أن جماعة أنصار الله تريد أن تتجاوز زمنها بامتياز وتتعداه إلى أزمنة آينشتاينية بعيدة، لكن ليس في المستقبل وإنما في الماضي الغابر، قافزة بذلك على كل إمكانيات العصر المتاحة من تكنولوجيا وتطور وإنترنت ومعلومات، وعالم أصبح بمثابة قرية صغيرة... كل هذا حتى يعود اليمن هو تلك القرية الصغيرة التي تحيط بها الأسوار منعزلة في أقصى نقطة في الأرض.
إنها تريد أن تفعل مع صنعاء تمامًا كما فعل معها الأئمة الزيدية، وآخرهم يحيى حميد الدين، الذي كان يغلق أبوابها عند السادسة مساء فلا تصحو إلا عند الفجر. أو تمامًا كما قال الشاعر الفلسطيني أبو سلمى عبد الكريم الكرمي:
عرج على اليمن السعيد وليس باليمن السعيدِ
واذكر إمامًا لا يزال يعيش في دنيا ثمودِ
فالاتهامات التي كان يكيلها يحيى حميد الدين ضد معارضيه ومعتقليه، خصوصًا إذا كانوا قادمين من البلدان الأخرى، بالعمالة لتلك البلدان والعمل معها على تفسيخ المجتمع وضرب قيمه وعاداته وأخلاقه والدعوة إلى الفجور والسفور وعظائم الأمور، هي نفسها التهم التي تكيلها جماعة أنصار الله اليوم، مع فارق أن العصر الذي عاش فيه يحيى حميد الدين لم يكن متمتعًا بما يتمتع به العصر الحاضر من تكنولوجيا ناهضة قربت كل شيء على وجه الحقيقة لا الخيال.
فأن تأتي لتتحدث عن شبكة جواسيس تم اكتشافها كانت تعمل لصالح الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين، لا شك سيتبادر إلى الذهن أن هناك محاولات حثيثة من قبل هؤلاء لقلب نظام الحكم في صنعاء مثلًا، كما يحدث أن يفعلوا في بلدان أخرى، أو أن يأتوا برئيس وزراء جديد ليكون مكان ابن حبتور، أو أن أحمد حامد هو قائد شبكة الجواسيس تلك، بعد أن استطاع الأمريكيون والإسرائيليون زرعه داخل الجماعة فتسنى له أن يجمع كل سلطات الدولة في يده بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأممية والدولية والمحلية، ويسيرها كلها كيف يشاء هو ورئيسه المرؤوس وتاجره الأثير دغسان، خصوصًا وأن الحديث عن آفات زراعية ومبيدات وسرطانات... وإلى ما هنالك من تكهنات ستطرأ في الذهن تتواءم مع طبيعة الخبر الذي أعلن عنه رسميًا من قبل جهاز أمن دولة برمته، خصوصًا وأن عضو المجلس السياسي الأعلى استبق الإعلان بتصريح أن الشبكة الاستخباراتية العدوة تشمل مسؤولين في رأس السلطة وجهاز الدولة.
أما والحديث في النهاية عن شبكة كانت تعمل في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وفي العقد الأول من الألفية الجديدة، وتدار من قبل جهاز أمريكي اسمه "السفارة"، ومصطلح السفارة هذا خاص بتعاملات الدول مع بعضها البعض اقتصاديا وثقافيًا وعسكريًا... إلخ، فإن جماعة الأنصار فقط تريد أن تتحدث بعقلية يحيى حميد الدين ذاتها التي لا تعرف أبجديات التعامل بين الدول، وأن الملحقيات في كل سفارات العالم مهمتها الأساسية تتحدد بتطبيع علاقات بلدها مع البلد الذي هي فيه. وبالتالي أن تحتفي سلطة صنعاء باعترافات معتقل كان يعمل في فترات من فترات عمره لدى السفارة الأمريكية فتصبح كل الأنشطة التي قام بها عندما كان يعمل هناك جاسوسية محضة، ومنها برنامج الزائر الدولي الذي كان مشهورًا فإن تلك الاعترافات مجرد اعترافات تلقينية تمت مقابل وعود، حسب توصيف الصحفي خليل العمري مراسل قناة المنار اللبنانية في صنعاء. فكيف لبرنامج الزائر الدولي الذي هو معروف للقاصي والداني وتضعه سفارات الولايات المتحدة في شتى البلدان، أن يكون برنامجًا جاسوسيًا استخباراتيًا؟ وهل جهاز السي آي إي يعلن عن برامجه الجاسوسية في سفارات بلاده؟
العمري أشار إلى أنه بصرف النظر، ما إذا كان أولئك المعترفون جواسيس أم لا، فإنها اعترافات مقابل وعود، حيث أنهم يسردون قصصهم بحماس وكأنهم المحققون وليسوا المتهمين، و"يستخدمون عبارات القوم (هوية إيمانية، حرب ناعمة) ويركزون على جوانب لا يحتاج المشاهد إلى الكثير من الذكاء ليعرف أنه طُلب منهم التركيز عليها".
أما الترويج للمثلية، فهي تهمة "يحياوية" محدّثة أو متناسبة مع العصر الحديث، حيث لا ينفع استخدام مصطلحات يحيى حميد الدين كـ"المبنطلين" و"الدستوريين"، وبالتالي ستكون المثلية مجدية خصوصًا وأن الرئيس الأمريكي وإدارته يروجون لها.
المحامي والناشط عبد الوهاب الشرفي سخر من الاعترافات التي أدلى بها المعتقلون الخمسة الذين تسميهم سلطة صنعاء تابعين لشبكة تجسس أمريكية إسرائيلية، قائلًا إن الإنترنت والفضائيات أصبحت متواجدة في كل منزل، والسفارة الأمريكية ليست منتظرة لهؤلاء الخمسة المعتقلين في صنعاء الترويج للشذوذ في البلاد.
وأضاف الشرفي: "دليلي أن الذين أعدوا المادة ومنتجوا وأشرفوا وسمحوا وأذاعوا هذا الفيديو ولا واحد منهم يقول له إن (المثلية) هو مسمى ثقافة غربية أما في ثقافتنا اسمه شذوذ"، مخاطبًا الأجهزة الأمنية في صنعاء: "نصيحة ابسروا لكم عقول راجحة تتعامل مع هذه الملفات الحساسة تجيد التشخيص وقادرة على تمييز ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي... اتهام الناس في أعراضهم ما هيش وجهة نظر اعقلوا".

شارك الخبر: