لا يزال مشروع قانون "عيد الغدير" الذي ينص على اعتماد المناسبة عطلة رسمية في البلاد، يثير الخلافات داخل الأوساط السياسية العراقية سواء "الشيعية الشيعية" أو "الشيعية السنية" في بلد يضم طوائف متعددة وشهد في السنوات الماضية حربا طائفية تسببت بمقتل الآلاف.
ويحتفل أفراد الطائفة الشيعة في اليوم المصادف الـ 18 من شهر ذي الحجة حسب التقويم الهجري بـ"عيد الغدير" حيث تقول الروايات الشيعية إنه اليوم الذي خطب فيه النبي محمد "خطبة الوداع" وعيَّن فيها ابن عمه علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين من بعده.
يوم الثلاثاء الماضي أعلن البرلمان العراقي أن القراءة الأولى لمشروع القانون ستطرح داخل الجلسة، لكن ذلك لم يحصل نتيجة الاعتراضات على أصل القانون، تارة، وعلى الجدوى من تشريعه في ظل وجود مقترح قانون لتنظيم العطلات الرسمية في البلاد تارة أخرى.
يقول عضو اللجنة القانونية في البرلمان سجاد سالم إن القانون كان مستوفيا للشروط الشكلية وهو عبارة عن مقترح مقدم من قبل أعضاء في مجلس النواب.
ويضيف سالم لموقع "الحرة" أن اللجنة القانونية رفعته للقراءة الأولى حسب السياقات، لكن الجلسة لم تستكمل نتيجة الخلافات حول القانون وحول قانون آخر كان مطروحا في ذات الجلسة.
ويشير سالم، وهو نائب مستقل، إلى أن الاختلافات بشأن القانون تضمنت آراء تقول بوجوب تشريع قانون منفرد يحدد يوم الغدير عطلة رسمية، فيما كانت هناك آراء أخرى تدعو لطرحه ضمن قانون العطل الرسمية.
ومنذ عدة سنوات تتحدث القوى السياسية عن قرب تشريع قانون للعطل الرسمية في العراق، لكنه لم ير النور حتى اللحظة نتيجة الخلافات بشأن عدد من من المناسبات، ومنها عيد الغدير.
وفي الـ19 من الشهر الماضي، طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر البرلمان بتشريع قانون يعطل الدوام الرسمي في عيد الغدير.
وقال الصدر في تغريدة على منصة إكس في حينها: "بأمر من الشعب العراقي والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها، يجب على مجلس النواب العراقي تشريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة (عيد الغدير الأغر) عطلة رسمية عامة لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم وعقيدتهم".
وبالفعل استجاب عدد من النواب الشيعة لتغريدة الصدر وأعلنوا جمع تواقيع لطرحه في مجلس النواب قبل أن تصدر الاعتراضات بشأنه.
خلافات شيعية شيعية
في أغسطس 2022، أعلن الصدر انسحابه من الحياة السياسية وطلب من نواب التيار الصدري الاستقالة من عضوية البرلمان وهو ما منح منافسيه من "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى موالية لطهران، الأغلبية في مجلس النواب.
بالتالي يرى المحلل السياسي نجم القصاب أن الصدر حاول من خلال الدعوى لإصدار القانون "إحراج منافسيه في الإطار التنسيقي".
يقول القصاب لموقع "الحرة" إن "هناك بعض النواب كانوا من أشد المطالبين بتشريع مثل هكذا قانون، ولكنهم اليوم يقفون بالضد من تمريره ليس بصيغته وإنما لأنه جاء بدعوى من الصدر".
ويشير القصاب إلى أن منافسي الصدر "يحاولون من خلال هذه الخطوة إرسال رسالة مفادها بأن الصدر لن يتمكن من تمرير قوانين وهو خارج السلطة وخارج العملية السياسية".
ومع ذلك يعتقد القصاب أنه "سواء مرر القانون أو لم يمرر فإن الصدر هو الفائز بكل الأحوال، لأنه أحرج هذه القوى وكسب الجمهور".
خلافات شيعية سنية
على الجانب الآخر صدرت انتقادات عديدة من قوى سنية لمساعي تشريع قانون عطلة "عيد الغدير" لااعتقادها أنه قد يثير "الحساسيات" والمشاكل.
الخميس، قال حزب السيادة بزعامة السياسي العراقي السني خميس الخنجر في بيان إن "محاولات تشريع أعياد دينية لا تنال الإجماع الوطني بسبب الطبيعة التعددية الاجتماعية والمذهبية والدينية التي يعرف بها العراق.. يثير المخاوف من تحول النظام السياسي تدريجيا إلى نظام دولة ثيوقراطية دينية بسبب هذه القوانين"، معتبرا أن هذا الأمر "يخالف الدستور والقوانين النافذة".
واقترح الحزب في بيانه أن "تتولى مجالس المحافظات تشريع القوانين ذات البعد الديني بما يتلاءم مع توجهات أبنائها".
ويمنح القانون العراقي بالفعل الحكومات المحلية السلطة لإعلان يوم عطلة تقتصر على ساكني المدينة دون غيرها لأسباب مختلفة.
بالمقابل كتب النائب السني مشعان الجبوري على منصة "إكس" قائلا إن "محاولة تشريع قانون يجعل من عيد الغدير عطلة وطنية رسمية يعني عمليا تبني سردية دينية شيعية تتعلق بالإمامة -الولاية التي يُكفِّر أغلب علماء الشيعة منكرها بشكل غير قابل للتأويل ولا وجود لها بالمطلق في السردية السنية!؟"
وأضاف الجبوري أن "من حق الشيعة الاحتفال بعيد الغدير كما يشاؤون، لكن تحويله إلى عيد وطني وفرضه حتى على من تكفرهم هذه السردية وهم نصف الشعب العراقي سيؤدي إلى مشاكل وحساسيات الشعب العراقي في غنى عنها".
بدوره قال حزب متحدون بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي في بيان إنه "ليس من حق أحد أن يفرض قناعات طائفية على الآخرين، وينبغي أن تكون الدولة بعيدة كل البعد عن أي ميل طائفي يقوض الهوية الوطنية للعراقيين، ويضرب مبادئ الدستور باعتباره القانون الأعلى للبلد".
ويقع العراق "في صدارة البلدان التي تعطل الدوام الرسمي للقطاعين الخاص والعام في مناسبات وطنية ودينية متنوعة"، كما جاء في تقرير نشرته شبكة المستشارين العراقيين الميدانيين، وتتم "إضافة عطل مفاجئة غالباً ما تفرضها أوضاع أمنية أو سياسية أو دينية أو جوية".
وبحسب التقرير فإن هذه العطل "تكلف العراق 2.5 مليار دولار شهريا". كما أنها "باتت تسبب كسادا واضحا من جهة، وتراجعا كبيرا في المستوى التعليمي من جهة أخرى، ناهيك عن تأخير عدة مشاريع مهمة في الإعمار والتنمية".
وأشار التقرير إلى أنه "لا يمكن للدولة النهوض والتطور بهذا العدد غير المجدي من العطل، باستثناء بعض المناسبات اللازمة نظرا لرمزيتها".
وخلال السنوات الماضية عقد البرلمان العراقي جلسات عديدة لمناقشة قانون العطل الرسمية في العراق. لكن، تلك الجلسات لم تتمكن من حل مشكلة كثرة العطل الرسمية بل فاقمتها، فكل ديانة وطائفة وقومية كانت تقترح عطلا جديدة، وتحاول تعويضها عبر إلغاء أيام عطل أخرى.