مع دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني، تصاعدت الدعوات لإنقاذ ملايين النساء السودانيات من جحيم اللجوء والنزوح وخطر العنف الجنسي المتصل بالنزاع، بينما كشفت منظمات عن حالات حمل ناتجة عن عمليات اغتصاب تعرضت لها سودانيات.
ويأتي الإعلان عن حالات الحمل الناتجة عن الاغتصاب، وسط تصاعد الشكاوى من منظمات نسوية عن صعوبات مجتمعية وقوانين حكومية تعرقل عمليات الإجهاض، برأي ناشطات.
حالات موثقة
تشير منسقة برنامج السودان في المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي "صيحة"، نعمات أبوبكر، إلى ارتفاع حالات الاغتصاب الجماعي التي تعرضت لها فتيات سودانيات خلال الحرب الحالية.
وقالت أبوبكر لموقع الحرة، إن "مبادرة "صيحة" تمكنت من رصد وتوثيق أكثر من 176 حالة اغتصاب، بينها عمليات اغتصاب جماعي، تعرضت لها نساء سودانيات".
وكشفت عن 14 حالة حمل غير مرغوب فيه، نتجت عن عمليات الاغتصاب والاغتصاب الجماعي خلال الحرب في عدد من الولايات السودانية.
وأشارت منسقة برنامج السودان في المبادرة إلى أن "بعض الضحايا حاولن الانتحار بسبب المضاعفات النفسية الناتجة عن الاغتصاب والحمل الذي تعرضن له".
وكان تقرير صدر عن مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في فبراير الماضي، كشف عن "تعرُّض ما لا يقل عن 118 شخصاً للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي ومحاولة الاغتصاب، من بينهم 19 طفلاً".
بدورها تشير الناشطة الحقوقية، هاجر الشيخ، إلى أن "الأرقام والإحصائيات التي يجري الإعلان عنها صادمة، ومع ذلك فهي تمثل أقل من 2 في المئة من حالات الاغتصاب التي حدثت خلال الحرب الحالية".
وقالت الشيخ لموقع الحرة، إن "العنف الجنسي المتصل بالنزاع لا يرتبط فقط بالحرب الدائرة حاليا، وإنما يعود إلى سنوات ماضية، إذ استخدم نظام الرئيس السابق عمر البشير ميليشيات الجنجويد وميليشيات أخرى في ترويع واغتصاب النساء".
وأشارت إلى أن "حالات الاغتصاب التي جرى توثيقها تصل إلى 180 حالة، ومن المؤكد أن هناك نساء لم يكشفن عن تعرضهن للاغتصاب بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية".
وتقول أبوبكر إن الضحايا يواجهن مشكلات مركبة، أبرزها عدم قدرتهن على الحصول على المساعدات الطبية العاجلة بسبب اشتداد المعارك، وبداعي توقف غالبية المستشفيات في مواقع النزاع".
وأضافت "هناك مشكلة أخرى متعلقة بحصول الضحايا على الرعاية النفسية، وهي أمر لا يقل أهمية عن الرعاية الطبية والصحية، للحيلولة دون وقوع الضحية في دوامة مرض نفسي ربما يقودها إلى الانتحار".
وشددت على ضرورة تمكين الضحايا من الحصول على الرعاية المطلوبة في أسرع وقت ممكن، "لتقليل حجم الأذى الذي يترتب على تعرضهن للاغتصاب وبقائهن دون تدخل طبي ونفسي لفترة طويلة".
وكشفت وحدة حماية المرأة والطفل "حكومية" عن "تسجيل 136 حالة عنف جنسي متصل بالنزاع".
وقالت الوحدة إن "هناك الكثير من الحالات غير الموثقة، لأن طريقة الإبلاغ تكون صعبة، في ظل تردي الوضع الأمني، وغياب خدمات الرعاية في المرافق الصحية".
وكانت حملة "معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي" دفعت بمذكرة إلى النائب العام السوداني، في مارس الماضي، تطالب بتسهيل إجراءات الإجهاض لمن تعرضن للاغتصاب، وتدعو لعدم التقيد بالإجراءات الصارمة، إذ يجرّم القانون السوداني عمليات الإجهاض.
من جانبها أشارت الشيخ إلى 3 أطراف متهمة في عمليات الاغتصاب التي تعرضت لها نساء سودانيات خلال الحرب الحالية.
وقالت إن "معظم الضحايا تحدثن عن تعرضهن إلى الاغتصاب والعنف الجنسي بواسطة أشخاص يرتدون أزياء ميليشيا الدعم السريع المصنوعة بواسطة نظام الرئيس السابق، عمر البشير، بينما تحدثت فئة قليلة من الضحايا عن أشخاص يرتدون أزياء الجيش".
وأضافت "هناك فئة أخرى تعتدي على النساء، لا ترتدي أزياء الجيش ولا ترتدي أزياء قوات الدعم السريع".
ودعت الناشطة والحقوقية المجتمع الدولي للتحرك لإنقاذ نساء السودان من الاعتداءات والعنف الجنسي والاغتصاب، وطالبت المنظمات الحقوقية بإثارة القضية "حتى يدرك العالم أن ما يجري في السودان يتجاوز العنف الجنسي إلى بيع النساء وأجسادهن".
وكانت مفوضية حقوق الإنسان الأممية، نسبت في فبرير الماضي 70 في المئة من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع، كما أشارت إلى تورط مسلحين بلباس الجيش في حالة اغتصاب مؤكدة.
ونفى الخبير الاستراتيجي، الزاكي عبد المنعم، الاتهامات الموجهة إلى الجيش بتورط عناصر منه في عمليات عنف جنسي واغتصاب ضد نساء سودانيات.
وقال عبد المنعم، وهو ضابط سابق بالجيش، لموقع الحرة، إن "الجيش مؤسسة قومية ولن يتورط في هذه الانتهاكات، ويكفي تدليلا على ذلك أن المناطق الخاضعة لسيطرته عامرة بالسكان، بينما يفر المواطنون سريعا من أي منطقة تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع".
وأضاف قائلا "الميليشيا المتمردة درجت على اغتصاب النساء خلال الحرب الحالية وحروب سابقة، وهو ما أثبتته تقارير دولية، خاصة في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور".
وفي ديسمبر الماضي، أوردت وكالة "رويترز" أنها تحدثت إلى 11 شابة من قبيلة المساليت بغرب دارفور، أشرن إلى تعرضهن لاعتداءات جنسية على أيدي أفراد من قوات الدعم السريع.
وقالت الوكالة إنها لم تتمكن من التأكد بشكل مستقل من كل تفاصيل رواياتهن. "لكن في كثير من الحالات، أكد الأقارب والأصدقاء بعض جوانب قصصهن".
وكانت "هيومن رايتس ووتش" ذكرت، أن قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها، اغتصبت عشرات الفتيات في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، بين أواخر أبريل وأواخر يونيو 2023.
وأضافت المنظمة "يبدو أن المهاجمين استهدفوا الفتيات بسبب انتمائهن إلى قبيلة المساليت، وفي بعض الحالات، لأنهن كن ناشطات معروفات".
وفي المقابل ينفي عضو المكتب الاستشاري الخارجي لقائد قوات الدعم السريع، عمار صديق إسماعيل، الاتهامات الموجهة لقوات الدعم السريع بتورط عناصر منها في اغتصاب عدد من السودانيات.
وقال إسماعيل لموقع الحرة، إن "هذه فرية لا يسندها دليل، تصدر من جهات تخطط لتحطيم سمعة قوات الدعم السريع".
وأشار إلى أن "هذه الاتهامات لا تصدر من جهات مستقلة لها فريق ميداني أو وجود فعلي على الأرض، مما ينفي مصداقيتها"، لافتا إلى أن "قوات الدعم السريع ترحب بأي لجنة مستقلة وذات مصداقية للتحقيق ميدانيا وعكس الحقائق".
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في عدد من أنحاء البلاد.