• الساعة الآن 03:34 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

"أنا مسيحي لكني أصوم الشهر كاملاً"

news-details

ميكا ستيفنز، طالب هولندييبلغ من العمر 15 عاماً، بدأ بصوم شهر رمضان، ويقول إنه سيواصل ذلك طيلة الشهر.

ميكا ليس مسلماً، بل هو مسيحي يقدس تعاليم دينه، ويقول لبي بي سي نيوز عربي: "قبل عامين، بدأ شقيقي الأكبر الذي يبلغ من العمر الآن 18 عاماً، بالصيام واعتناق الإسلام سراً، لم يكن متأكداً من ردة فعل عائلتي لأن مثل هذه الخطوة لم تحدث في عائلتنا المسيحية من قبل".

ويتابع: "لكن بعد أن علم والداي بالأمر وتناقشا معه، رحبا بقراره. إنهما منفتحان على الحريات والثقافات المختلفة، علماً أن والدي لا ديني ووالدتي مسيحية وأنا مثل والدتي مسيحي".

كان شقيق ميكا مسيحياً حتى سن السادسة عشرة، لكن بعد نقاشه مع أصدقائه المسلمين وقراءة الكتب الإسلامية، اعتنق الإسلام سراً، لأنه على ما يبدو "وجد ضالته فيه" على حد قول ميكا.

ويشرح ميكا لبي بي سي كيف كان هو وشقيقه يتناقشان حول الأمور الدينية والتناقضات الموجودة بين الأديان لساعات قبل أن تدور مثل هذه الأحاديث بينه وبين أصدقائه المسلمين في المدرسة ومكان عمله أيضاً. ويقول إن لديه ثلاثة أصدقاء مقربين جميعهم من المسلمين الملتزمين بصوم رمضان.

"الرغبة في التقرب إلى الله"

عندما سألته لماذا تصوم على الطريقة الإسلامية طالما أنك مسيحي، قال لي ميكا: "لأنني أشعر بالتقرب إلى الله".

ومن الجدير بالذكر أن أعداد المسلمين ازداد في أوروبا ومن ضمنها هولندا، خلال العقد الماضي، ولا سيما بعد اندلاع الحروب في عدد من بلدان الشرق الأوسط مثل سوريا واليمن وليبيا وغيرها، وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا.

وتراجعت نسبة المتدينين في هولندافي السنوات الأخيرة، إذ ذكرت هيئة الإحصاء الهولندية في دراسة استقصائية عام 2021 حول التماسك الاجتماعي والرفاهية، أن نسبة 58 في المئة من السكان الهولنديين الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً فما فوق، لا ينتمون إلى أي طائفة دينية أو مجموعة أيديولوجية، كما انخفضت نسبة الكاثوليك على وجه الخصوص.

ولكن، وسط تراجع الانتماءات الدينية، يميل قسم من الهولنديين إلى اتباع عقائد أخرى واعتناق ديانات مختلفة مثل الإسلام، كما تأثر كثير منهم بعادات جيرانهم الجدد من اللاجئين المسلمين وخاصة خلال رمضان.

يقول ميكا: "في البداية عرفني شقيقي عن مبادئ الإسلام وشرح لي معتقداتهم، شقيقي ليفاي أكثر شخص أتبادل معه النقاش حول الدين وتعلمت منه الكثير، فضلاً عن نقاشاتي مع أصدقائي في المدرسة أيضاً، حتى أن بعض زملائنااللادينيين ينضمون إلى نقاشاتنا أيضاً".

ويضيف: "أقرأ من الكتب التي بحوزة شقيقي وأحاول فهمها أيضاً وخاصة لفهم بعض التناقضات التي باتت تجذبني للغوص في القراءة والبحث لمعرفة المزيد، ففي نهاية المطاف، هناك إله لجميع الديانات".

ويشرح قائلاً: "صحيح أنني بدأت أصوم رمضان لكني مخلص لديانتي المسيحية. وما دفعني إلى الصوم حقاً هو شعوري بالتقرب إلى الله، لأنني من خلال الصيام، أختبر قوة إخلاصي لله وأختبر مدى قدرتي على ضبط نفسي أمام مغريات الحياة والتخلي عن راحتي في سبيل الله والإحساس بشعور الفقير الذي لا يجد ما يسد جوعه، وشعور الامتنان للنعم التي منحنا الله إياها".

يقول ميكا: "كان شقيقي ليفاي الذي يدرس القانون في الجامعة الآن، يصوم سراً في العام الأول، لكننا الآن اثنان، كما أن والداييحترمان خياراتنا بل ويوفران لنا أجواء مريحة تناسب صيامنا مثل تحضير الطعام في المواعيد المحددة للسحور والإفطار".

ويرى ميكا أنه لا يزال هناك الكثير ليتعلمه، لكنه في الوقت الحالي يشعر بالرضا عن الذات لأنه يحرم نفسه من أشياء يحبها ويتحمل العطش والجوع في سبيل الله من ناحية ولأنها أيضاً تبني شخصيته وتقويها وتحضرها لمواجهة تحديات الحياة في المستقبل.

"أب ملحد وأم لا دينية"

أحد أصدقاء ميكا المقربين الذين تأثر بهم ميكا في المدرسة هو غابي، وهو فتى سوري يبلغ من العمر الآن 16 عاماً.

لم يكن غابي قد تجاوز الخامسة من العمر عندما اضطرت أسرته المكونة من والديه وشقيقته إلى ترك مدينة حلب إلى تركيا، ومن ثم وصولهم إلى هولندا في عام 2016.

وفي حديث عبر الهاتف، قال غابي: "كانت بداياتي مع الصوم سراً في سن التاسعة من عمري، ولا أخفيكم أن والداي شعرا بالصدمة من معرفتهما أنني أصوم سراً وقتذاك، وحاولا منعي ظناً منهم أنني طفل صغير ولا أقوى على التحمل. لكنني لم أتراجع عن ذلك بل تمسكت بصيامي لأنني بدأت به عن قناعة ولا زلت كذلك".

وتصف والدة غابي نفسها باللادينية، أما والده فيصف نفسه كملحد بكل وضوح.

عندما تحدثت إلى غابي الذي يقيم في بلدة صغيرة في هولندا، عبر الهاتف، بدا لي وكأنه شخص بالغ راشد لدقة إجاباته واختيار الكلمات بعناية للتعبير عن رأيه دون أن يسيء إلى مشاعر أتباع العقائد والديانات الأخرى.

وعن بداياته، قال لي غابي إنه عندما استقر في مدرسة الحي الابتدائية في هولندا، تعرف إلى زميل مسلم له وأصبحا من أقرب الأصدقاء في الفصل الدراسي.

لاحظ غابي وقتها امتناع صديقه عن الطعام والشراب في المدرسة وعلم منه أنه صائم وأن "الصيام يقرب الإنسان من الله ويرضيه" حسب قوله.

وأوضحت والدة غابي لبي بي سي: "في أحد الأيام، عاد من مدرسته وأخرج وجبته المدرسية من حقيبته معلناً أنه صائم مثل صديقه في الفصل الدراسي".

صُعقت الأسرة من قراره المفاجئ الذي بدأ بتطبيقه فوراً دون الرجوع إليها، وخاصة أنه كان لا يزال طفلاً صغيراً، وربما يتراجع مستواه في الدراسة بسبب الجوع والعطش.

لكن غابي أصر على ممارسة الصوم بشدة، فحاولت والدته التوصل إلى حل وسط بحسب قولها، واتفقت معه أن يصوم حتى فترة الظهيرة وأن يتناول وجبته المدرسية التي كانت تعدها له كل يوم.

وقال غابي: "لم أشأ أن أزعج والداي، تظاهرت بأنني التزمت بالاتفاق، لكن في الحقيقة كنت أطعمها للبط في الحديقة المجاورة أثناء عودتي من المدرسة إلى المنزل، لكنني لم يرق لي شعور الكذب على والداي بشأن الوجبة المدرسية، فطلبت من والدتي صراحة ألا تجبرني على الكذب وقلت لها إنني ألقي بطعامي للبط كل يوم في بحيرة الحديقة المجاورة".

وأوضح: "قلت في قرارة نفسي إنني قررت أن أصوم للتقّرب من الله وإرضائه، فكيف لي ذلك إن كنت أكذب".

"التربية الحديثة"

رأت الأم التي قالت لي إنها تهتم كثيراً بأساليب التربية الحديثة، أن ابنها قد يضطر إلى الكذب وتكون هي وزوجها السبب، وبعد تفكير قررت تقبل الأمر رغم أنها لم تكن مقتنعة، لكنها أرادت الحفاظ على براءته وصراحته وعدم دفعه نحو الكذب بحسب وصفها.

وتقول والدة غابي إنه عاد في أحد الأيام من المدرسة وسقط أرضاً من شدة التعب والعطش، وعندما أسقيناه ماءً، وعاد إلى رشده، شعر بالاستياء منا لأننا أبطلنا صيامه في ذلك اليوم.

ولا تخفي والدته مدى استغرابها ودهشتها من قوة شخصية ابنها وسلوكه المعارض واستقلالية أفكاره التي اكتشفتها فيه في تلك التجربة.

وتقول والدته إنها تفاجأت بمواقفه وبدأت تتساءل في قرارة نفسها، ما الذي يجعل هذا الطفل متمسكاً برأيه رغم تعرضه للسخرية والانتقاد من محيطه تارة وشعوره بالجوع والعطش تارة أخرى؟.

شعرت الأم بالذنب تجاهه، لأنه كان وحيداً في مواجهة هذه الانتقادات وقررت أن تتضامن معه .

بدأت الأم بالصوم معه وكانت تحرص على تحضير مائدة رمضانية غنية بأصناف الأطباق السورية المشهورة ليعيش ابنها الأجواء الحقيقية لهذا الشهر ويشعر بالقوة كونه ليس الوحيد الذي يصوم في الأسرة.

يقول غابي: "عندما بدأت أمي تصوم معي، شعرت بارتياح كبير وزادت الثقة بنفسي وشعرت بقوة أكبر لأننا أصبحنا اثنين في مواجهة المعترضين على صيامي".

ومنذ ذلك الحين، تصوم والدة غابي كل عام معه، وانضمت إليهما شقيقته البالغة من العمر 18 عاماً أيضاً.

ويقول ميكا إنه سيواصل على صيام شهر رمضان وسيواصل البحث عن المعرفة مع الإبقاء على ديانته المسيحية التي يقدسها كل التقديس.

شارك الخبر: