خمسة أرغفة وكيس أرز مطبوخ وعلبة زبادي.. تلك هي الهبات السخية التي تجود بها سلطة صنعاء على المواطنين في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها طيلة أيام شهر رمضان. في كل نقطة من نقاط التوزيع المركزية أو الفرعية تحتشد مئات الوجوه. ليست وجوها بقدر ما هي أياد ممتدة ينتظر كل منها متى يحصل على نصيبه المقرر قبل أن تنصرف إلى حال سبيلها مقرونة بالدعاء.
أصبحت علبة الزبادي وكيس الخبز المطبوخ والأرغفة الخمسة حلما يستحق العناء بالنسبة لتلك الوجوه/الأيدي، أما بالنسبة لمسؤولي السلطة فإن ذلك المشهد ليس سوى تعبير فعلي ومترجم على أرض الواقع عن تفانيهم من أجل توفير اللقمة الهنيئة للمواطن في هذا الشهر الكريم، طالبين منه الدعاء للقائد والثورة والمسيرة.
يغلب السواد على المشهد أينما ذهبت، حتى كأنك تشعر بأنه لم يعد هناك من امرأة في بيتها في ساعة ما بعد العصر هذه حيث القلوب لدى الحناجر لدى مشرفي الصرف، يريدون من تلك الأيدي أن تنتظم في صفوف، فيكيلون لها السباب والشتم وربما الركل.
ليس من اللائق أن تسأل عن الجهة التي تتولى عملية التوزيع هذه، هل هي هيئة الزكاة مثلا أم واحدة من تلك المؤسسات الخيرية التابعة لسلطة صنعاء، والتي ترأسها وتديرها وتشرف عليها قيادات مؤمنة في الجماعة. ففي النهاية لا بد للعمل الخيري أن يتمتع بأكبر قدر من الكتمان حتى لا يضيع الأجر والثواب. لكن لا بأس من أن تعلن كل جهة أو مؤسسة في موقعها الرسمي أو في تقاريرها الصرفية عن مليارات تتراوح بين خانة الآحاد والعشرات، كل جهة بحسب طاقتها وحجمها. فهيئة الزكاة مثلا لن تقل تكلفة مشاريعها الخيرية الرمضانية عن عشرات المليارات، لا يدخل ضمنها زواج المعسرين والأعراس الجماعية بطبيعة الحال، فتلك لها موسمها وميزانيتها، ولا مبلغ العشرين ألف ريال الذي ستتسلمه العجائز والأرامل وذوو الإعاقات بعد الانتهاء من الترتيبات مع مكاتب البريد التي مازالت مغلقة بفعل الاختراق السيبراني (الصهيوني) الذي ضربها مؤخرا بحسب ما يتردد من قبل سلطة الأنصار، وبالتالي نحن إزاء عدوان جديد كما يبدو سيكون المواطن هو من يدفع ثمنه. كما لا يدخل ضمنها افتتاح "معرض الصماد السادس لكسوة العيد لـ 75 ألف مستفيد بإجمالي 626 مليون ريال"، والذي نفذته الهيئة مؤخرا في صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي. بل إن عشرات المليارات هذه التي أعلنت هيئة الزكاة عنها في هذه المحافظة أو تلك تم تخصيصها فقط كميزانية لـ"مشروع المطابخ والأفران الخيرية (وجبة إفطار الصائم) - رمضان 1445هـ"، وهي الوجبة المتمثلة بالأرغفة الخمسة وعلبة الزبادي وكيس الأرز المطبوخ، والتي يجمعها كلها كيس حراري سعة 6 أو 8، حسب خبرة موالعة القات. وربما سيحدث أن تذهب الهيئة في التفاصيل فتذكر مثلا أن مائة وتسعة آلاف وثمانمائة وسبعة وخمسين علبة زبادي تم توزيعها في اليوم الأول من شهر رمضان في كل مراكز التوزيع بالعاصمة صنعاء، ونظرا للإقبال من قبل مواطني العاصمة تم زيادة الكمية إلى مائة وعشرين ألف علبة في ما تلاه من أيام أخرى، واستمر الحال على المنوال نفسه طيلة أيام الشهر المبارك، فتشعر بأن مصانع الزبادي ظلت في حالة استنفار قصوى لتوفير الكمية، ومثلها المخابز ومطابخ الأرز. هذا والحديث عن العاصمة صنعاء فقط، ولا شك أن محافظة كالحديدة مثلا سيكون ما يتم صرفه من علب الزبادي أضعاف أضعاف.