بعد صدور قرار "غير ملزم" من مجلس الأمن، الاثنين، بوقف إطلاق النار في غزة، تطرح تساؤلات بشأن إمكانية تطبيق "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، لوقف الحرب المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر.
وتستمر المعارك في غزة بين إسرائيل وحركة حماس ، غداة صدور أول قرار من مجلس الأمن يفيد بوقف إطلاق النار بالقطاع.
لماذا القرار غير "ملزم"؟
ويقول المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أن القرار "ملزم أخلاقيا" على كافة الدول الأعضاء بالجمعية العمومية للأمم المتحدة.
لكن القرار فعليا "غير ملزم"، فلا توجد آليات لتنفيذه وتطبيقه على "أرض الواقع"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
والاثنين، قال مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن قرار مجلس الأمن ليس "ملزما"، مؤكدا أن "ليس له أي تأثير على إسرائيل وقدرتها على قتال حماس".
وأكدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن الولايات المتحدة تؤيد تماما "بعض الأهداف الحيوية في هذا القرار غير الملزم".
ويشير الكيلاني إلى أن "الحرب في غزة لم تتوقف"، ولا يوجد احترام للقرار، وبالتالي يمكن أن يعاد التصويت عليه من جديد تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حتى يكون "ملزما".
أما خبير العلاقات الدولية، حامد فارس، فيؤكد أن المعارك والاشتباكات في قطاع غزة مازالت مستمرة منذ صدور القرار الذي يشكل نوعا من "الضغط المعنوي" على إسرائيل دون وجود آلية واضحة لتنفيذه.
ولن يؤدي القرار لوقف الحرب بشكل "دائم وشامل"، ولن يمثل "طوق النجاة" بالنسبة للسكان في قطاع غزة، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويشير خبير العلاقات الدولية إلى القرارين 1720 و1723 الصادرين عن مجلس الأمن، والمتعلقين بإنفاذ المساعدات الإغاثية والإنسانية لداخل القطاع، لكن "لم يتم تنفيذهما".
بينما يشدد خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، على أن قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار الفوري "ملزم"، لأنه صدر عن الهيئة التنفيذية الحصرية في الأمم المتحدة والتي تعمل نائب ووكيل مفوض عن 193 دولة عضو في مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم وتوصيات وقرارات وبيانات تخص" صيانة السلم والأمن الدوليين".
وبعد 6 أشهر من الحرب في غزة وسقوط آلاف الضحايا، فقد اتخذ مجلس الأمن القرار بصياغة قانونية "قوية إلزامية"، فهو لم يناشد أو يحث أو يتوسل بل "طلب"، حسبما يوضح سلامة لموقع "الحرة".
ويشير سلامة إلى أن عدم تنفيذ الوقف الفوري للعدائيات العسكرية ووقف إطلاق النار "الفوري المؤقت" خلال 15 يوما، سوف يهدد الأمن والسلم الدوليين في الشرق الأوسط.
هل يمكن تطبيق "الفصل السابع"؟
ينص "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة على إمكانية أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات عسكرية ضد الدولة التي تهدد الأمن والسلم العالميين.
ويؤكد الكيلاني أن الفصل السابع هو الوحيد "الملزم على أرض الواقع"، ولذلك فمن الإمكان الاتجاه نحو تطبيقه واستخدام "القوة العسكرية" لتنفيذ القرار.
ومن الممكن أن يتم إعادة التصويت على القرار من جديد تحت نطاق الفصل السابع، واستخدام القوة لوقف "إطلاق النار" في قطاع غزة، وفق المختص بالقانون الجنائي الدولي.
ومن جانبه، يشير فارس إلى أن القرار "مؤقت وليس شاملا أو مطلقا"، ولذلك فبمجرد انتهاء شهر رمضان سيكون وقف إطلاق النار "كأنه لم يكن".
ويطالب القرار الذي تمّ تبنّيه بغالبية 14 صوتا مؤيّدا وامتناع عضو واحد (الولايات المتحدة) عن التصويت، بـ"وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان" الذي بدأ قبل أسبوعين، على أنّ "يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم". ويدعو أيضا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن".
وحظي القرار الذي تقدم به أعضاء المجلس العشرة المنتخبون، بدعم روسيا والصين والمجموعة العربية التي تضم 22 دولة في الأمم المتحدة.
ولا يمكن استخدام الفصل السابع لتنفيذ القرار لأنه سوف "ينتفي وينتهي خلال أسبوعين فقط"، ولن يكون هناك مساحة كافية من الوقت لتنفيذه، وفق فارس.
أما المحامية دانا حمدان، فتقول لموقع "الحرة" إن "وقف إطلاق النار وربطه بفترة زمنية معينة لا ينزع قانونا صفة القرار، الذي تطبق عليه بنود ميثاق الأمم المتحدة والفصل السابع"، مستدركة بالقول: "هناك أسباب سياسية قد تمنع من اللجوء إلى القوة العسكرية لتنفيذ القرار".
وتوضح حمدان أن "القرار يتناول الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس في القطاع، وهي حركة وليست دولة عضو، وبالتالي وفي حال عدم القدرة على إلزامها بتنفيذ وقف إطلاق النار، فيمكن إلزام الحكومات الداعمة لها بالضغط عليها، وذلك بصراحة المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
وتنص المادة 41 على أنه يمكن لمجلس الأمن "أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية".
وتشير حمدان إلى أن "صعوبة اللجوء إلى الفصل السابع تبرز في تحميل كل من الجهتين مسؤولية القتال، وهو الأمر الذي قد يلقى جدلا سياسيا يفضي إلى استخدام أحد الدول حق الفيتو".
وتضيف: "صدور قرار وقف إطلاق النار لا يوجب على مجلس الأمن المساس بحقوق المتنازعين والبت في مطالبهم ومراكزهم، على عكس اللجوء إلى الفصل السابع الذي يستلزم البت بأصل الحق أو النزاع".
في المقابل، تشدد المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "صلاحيات مجلس الأمن في اتخاذ الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان واسعة جدا ولا يمكن حصرها بين الدول"، مؤكدة على إمكانية "اللجوء إلى "الفصل السابع بأي قرار يصدر عن المجلس الدولي".
ولجهة عدم إمكانية إلزام حماس بقرارات مجلس الأمن، تقول شحادة: "صلاحية مجلس الأمن لا يمكن حصرها بالدول فقط، لأنه لم يرد نص بذلك حيث جاءت عبارة فرقاء (parties) وليس حكومات على سبيل الحصر".
وتتابع: "يمكن دعوة حماس كونها طرفا في النزاع للامتثال للقرار صراحة تحت طائلة اللجوء إلى الفصل السابع الذي قد يتمثل حينها بالطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالضغط عليها".
وتوضح شحادة أن "لمجلس الأمن أن يفرض عقوبات اقتصادية ومالية وليس فقط فرض القوة لتنفيذ وقف إطلاق النار"، مشيرة إلى أنه "يمكن لأي دولة أن تتقدم بطلب إصدار قرار آخر يدعو للجوء إلى الفصل السابع".
وحسب المادة 39 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عمل من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
وإذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق "القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه"، وفق المادة ٤٢.
من جهته، يقول سلامة إن الحديث عن "إجراءات تصاعدية تجاه حماس أو إسرائيل في حال عدم الالتزام بقرار مجلس الأمن هو ضربا من ضروب الخيال".
وتعتبر شحادة أنه "في حالات نادرة جدا قام مجلس الأمن باستخدام صلاحياته تحت الفصل السابع، ولذلك يتهم دائما بالفشل الدولي في إحلال الأمن والسلم".
ويتحدث سلامة عما تفتقده "الحالة الغزاوية"، ويقول إن "قطاع غزة ليس الكويت عندما غزتها العراق عام 1990".
وبعد فرض كل الجزاءات المختلفة ضد بغداد، صدر "القرار 678"، والذي رخص للدول الأعضاء بالأمم المتحدة استخدام "كل ما هو ضروري" لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت، وفق سلامة.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على الحركة"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما تسبب باستشهاد 32414 فلسطينيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 74787، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس، الثلاثاء.