عادت مستشفى الشفاء الواقعة بشمال قطاع غزة للواجهة مرة أخرى، بعدما شهدت اشتباكات عنيفة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية.
ويكشف مختصون لموقع "الحرة" ملابسات "اشتعال تلك الجبهة من جديد"، وتوقعاتهم لما قد يحدث خلال الأيام المقبلة.
منطقة قتال خطيرة؟
الاثنين، طلب الجيش الإسرائيلي، من جميع المدنيين المتواجدين في حي الرمال ومجمع الشفاء الطبي ومحيطه في مدينة غزة المغادرة فورا، باعتبار أماكن تواجدهم "منطقة قتال خطيرة".
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة "إكس" أن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن (الشاباك) "يعملان داخل مجمع الشفاء الطبي"، وأن العملية التي أعلن الجيش بدأها فجر الاثنين ما زالت "متواصلة".
وتواصل موقع "الحرة" مع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، لمعرفة المزيد من التفاصيل حول كيفية تسلل عناصر حماس إلى الشمال، وهل عادت شمال غزة إلى الواجهة كمسرح عمليات من جديد، وما حدث خلال الاشتباكات، لكن لم نتحصل على رد حتى كتابة هذا التقرير.
واكتفت وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، بالقول لـ"الحرة"، "حتى لو تم تطهير معظم شمال غزة، فلا تزال هناك حرب منخفضة المستوى"، وأشارت إلى البيانات المتعاقبة التي تم إصدارها، دون ذكر المزيد من التفاصيل.
وفي بيان، أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن جنودا "يُنفذون حاليا عملية دقيقة في منطقة مستشفى الشفاء"، مضيفا أنّ "العملية تستند إلى معلومات تُشير إلى استخدام المستشفى من جانب مسؤولين كبار من حماس".
وخلال العملية، التي تتم بالتعاون مع جهاز الشاباك، تعرضت القوات "لإطلاق النار من قبل مخربين من داخل مجمع الشفاء الطبي حيث ردت القوات بنيرانها وأصابت مخربين"، وفق بيان الجيش الإسرائيلي.
كما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، القضاء على رئيس العمليات بالأمن الداخلي لحماس في غزة، فائق المبحوح، خلال عملية مستشفى الشفاء.
ولم تعلق حركة حماس أو تؤكد أو تنفي، على ما ذكره الجيش الإسرائيلي، حتى موعد نشر التقرير.
وقبل ذلك، دان المكتب الإعلامي التابع لحكومة حماس، ما حدث في مستشفى الشفاء، قائلا:" اقتحام مجمّع الشفاء الطبي بالدبابات والطائرات المسيرة والأسلحة، وإطلاق النار في داخله، هو (جريمة حرب)".
وقال المكتب الإعلامي إن مستشفى الشفاء يتعرض "للقصف"، مشيرا إلى أن "عشرات آلاف النازحين" موجودون في المبنى.
ماذا يحدث على الأرض؟
على الأرض، تحدث شهود عيان لوكالة "فرانس برس" عن حدوث "عمليات جوية" على حي الرمال حيث يقع مستشفى الشفاء.
وقال سكان في هذا الحي إن "أكثر من 45 دبابة وناقلة جند مدرعة إسرائيلية" دخلت الرمال.
كما تحدث البعض عن "معارك" في محيط المستشفى.
وذكر شهود عيان في مدينة غزة أنهم رأوا دبابات تحاصر موقع المستشفى.
في حديثه لموقع "الحرة"، يكشف العقيد السابق في الجيش الاسرائيلي، موشيه إلعاد، أن "عناصر حماس تحاول الرجوع إلى مناطق الشمال رويدا رويدا".
وتعتقد حماس أن الجيش الإسرائيلي "مهتم بمنطقة رفح فقط"، ولذلك فهي تحاول العودة للشمال، لكن جاءت معلومات استخباراتية بوصول "عشرات" من عناصر حماس لمستشفى الشفاء، وفق إلعاد.
وبالتزامن مع ذلك كانت هناك "معلومات استخباراتية" بعقد اجتماع لقادة كبار من حماس، في نفس المنطقة، وبالتالي فرض الجيش الإسرائيلي "طوقا" على المستشفى، حسبما يضيف إلعاد.
ويشير العقيد السابق بالجيش الإسرائيلي إلى أن "القوات الإسرائيلية قبضت بالفعل على حوالي 80 عنصرا من حماس"، وهناك اشتباكات "عنيفة ومستمرة" بالمنطقة.
لماذا الشفاء؟
يعد مجمع الشفاء، أكبر مستشفيات القطاع قبل الحرب، أحد المرافق الصحية القليلة المتبقية التي تعمل ولو جزئيا في شمال قطاع غزة، ويؤوي أيضا مئات النازحين.
وهذه المرة الثانية التي ينفذ خلالها الجيش الإسرائيلي عملية في هذا المستشفى، منذ اندلاع الحرب في غزة، وسبق لإسرائيل أن اتهمت حماس باستخدام المنشآت الطبية غطاء لعملياتها، وهو ما تنفيه الحركة.
وفي 15 نوفمبر المنصرم، دخل الجيش الإسرائيلي هذا المستشفى وبات المرفق يعمل حاليا بالحد الأدنى، وبأقل عدد من الموظّفين.
وبعد تلك العملية، قال الجيش إنه عثر على "ذخيرة وأسلحة ومعدّات عسكريّة" لحماس في مستشفى الشفاء، وهو ما نفته الحركة الفلسطينية.
وذكر الجيش أيضا أنه اكتشف نفقا بطول 55 مترا قال إنه يُستخدم "لأغراض الإرهاب" تحت مستشفى الشفاء في غزة.
ولذلك، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، أن الأحداث بالرمال ومحيط مستشفى الشفاء تمثل "تطورا نوعيا سوف يجعل إسرائيل تعيد حساباتها خلال الحرب".
وما يحدث في شمال غزة يؤكد "زيف وتضليل" حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بشأن "القضاء على كتائب حماس وبقاء أربعة منها فقط في رفح"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويشير الرقب إلى وجود "مسلحين ومقاتلين وعناصر أمنية أو لجان شعبية تابعة لحماس في كل قطاع غزة، بداية من شمال القطاع الذي تقول إسرائيل إنها (سيطرت عليه)، ختاما بمدينة رفح على الحدود مع مصر".
ومن جانبه، يؤكد إلعاد أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع أن يكون "في كل مكان في نفس الوقت"، وتستغل حماس ذلك للخروج من الأنفاق، والتجمع للوصول إلى مناطق معينة.
ويوضح العقيد السابق في الجيش الاسرائيلي، أن عدد القوات الإسرائيلية الموجودة في قطاع غزة " انخفض كثيرا"، بعد توجه جزء كبير منها إلى "الضفة الغربية".
ويشير إلى أن قوات الجيش الإسرائيلي الموجودة في الضفة الغربية حاليا أكبر من مثيلتها في غزة.
وعدد القوات الموجودة في غزة "لا يعطيها الفرصة لكي تكون في كل مكان، ولذلك فعمل القوات سوف يعتمد بشكل كبير على المعلومات الاستخباراتية"، حسبما يؤكد العقيد السابق في الجيش الإسرائيلي.
ويقوم الجيش الإسرائيلي بالتحرك بناءً على "معلومات استخباراتية" بشأن تواجد مجموعات من حماس، ويقوم بالوصول للمنطقة والاشتباك مع تلك العناصر أي كان موقعها، وفق إلعاد.
شمال غزة.. هل يشتعل من جديد؟
يعاني نصف سكان غزة من جوع "كارثي" بينما يتوقع بأن تضرب المجاعة شمال القطاع "في أي وقت" بين الآن ومايو في غياب أي تدخل عاجل للحؤول دون ذلك، وفق ما جاء في تقييم أمن غذائي مدعوم من الأمم المتحدة، الاثنين.
يعد الوضع في شمال غزة صعبا على وجه الخصوص، وأفادت وكالات إغاثية عن صعوبات في بلوغ المنطقة لتوزيع المواد الغذائية وغير ذلك من المساعدات.
ولا يعتقد إلعاد أن شمال غزة ساحة جديدة للمواجهة أو مسارا "قابل للتصعيد العسكري"، لكن قد تشهد المنطقة خلال الفترة المقبلة "اشتباكات هنا أو هناك".
وقد تم تدمير غالبية "كتائب حماس" في شمال غزة، والعناصر الموجودة حاليا في المنطقة هي "عناصر منفردة"، وفق العقيد السابق بالجيش الإسرائيلي.
لكن الرقب ينفي ذلك الطرح، ويؤكد أن "حماس مازالت موجودة وقوية"، على عكس ما تروجه الحكومة الإسرائيلية.
ويشير إلى أن هدم منازل غزة وتحويلها لأنقاض سوف يعيق الجيش الإسرائيلي أثناء تنفيذ أهدافه، وستكون تلك المنازل "مواقع سهلة لتحرك عناصر حماس ومقاتلي (الحرب الشعبية)".
ويوضح المحلل السياسي الفلسطيني أن عناصر حماس "تدربت بشكل كبير جدا" على التحرك بين المنازل المهدمة والأنقاض والأنفاق، لكن الجيش الإسرائيلي سوف يعاني.
اجتياح رفح.. هل تنتهي حماس؟
وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بدء الحرب بين إسرائيل وحماس، تستمر حصيلة الضحايا في الارتفاع في القطاع الفلسطيني المهدد بالمجاعة.
ولجأ معظم النازحين بسبب الحرب، ويبلغ عددهم 1.7 مليون نسمة بحسب الأمم المتحدة، إلى مدينة رفح الواقعة على الحدود المصرية المغلقة والتي تتعرض لقصف إسرائيلي يومي.
والأحد، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي مجددا تصميمه على اجتياح رفح التي يعتبرها آخر "معاقل" حماس.
ولذلك يؤكد إلعاد أن الجيش سوف يستمر في العملية العسكرية ويجتاح رفح بريا لوجود "أخطر كتائب حماس" بالمدينة.
وبعد انتهاء عملية رفح سيعود الجيش إلى شمال غزة ووسط القطاع للقضاء على "خلايا منفردة أو عناصر موجودة بالأنفاق"، تهاجم القوات الإسرائيلية، وفق العقيد السابق بالجيش الإسرائيلي.
ويؤكد إلعاد أن "قوة حماس لم تعد موجودة في قطاع غزة كما كانت سابقا، وبالتالي فالقضاء على الحركة مسألة وقت".
لكن الرقب يشير إلى أن "حماس تحاول إثبات وجودها في كل مكان، وبالفعل فقوتها على الأرض مازالت موجودة حتى لو بشكل سري".
وسوف تسعى حماس لتثبت للعالم أنها "لازلت موجودة في قطاع غزة، ويجب أن تكون طرفا اصيلا في أي مفاوضات متوقعة"، والقضاء على الحركة "يحتاج سنوات طويلة، وليس بالسهولة التي تتحدث عنها إسرائيل"، وفق المحلل السياسي الفلسطيني.
عسكريا أم أيديولوجيا؟.. معضلة تدمير حماسمرار وتكرار أكدت إسرائيل على هدفها الأول بالحرب في قطاع غزة، والمتمثل في "تدمير حركة حماس" المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخري، بينما يتجادل مختصون تحدث معهم موقع "الحرة" حول سبل تحقيق ذلك في ظل اعتماد الحركة على "أيدلوجيا صعب القضاء عليها".
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على الحركة"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، مما تسبب باستشهاد 31726 فلسطينيا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 73792، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس، الاثنين.