مع حلول شهر رمضان المبارك يحصل تغيير جذري في نمط الحياة ومن ضمنه النظام الغذائي المتبع، حتى إننا نشهد تحولاً واضحاً على مستوى العادات الغذائية للصائمين. في الواقع يعتبر خبراء التغذية شهر الصيام فرصة ذهبية يمكن الاستفادة فيها من مزايا الصيام التي لا تعد ولا تحصى. وأظهرت دراسة أنه في حال التزام الصيام لمدة 21 يوماً يمكن كسر العادات الغذائية الخاطئة واكتساب أخرى صحيحة تنعكس إيجاباً على الصحة. لكن، للأسف، يخسر كثر من الصائمين مزايا الصيام عبر اتباع عادات خاطئة في شهر رمضان، منها ما ليس له علاقة بالتغذية، ومنها ما يرتبط بأسلوب العيش. في مثل هذه الأوقات تبرز أهمية التقيد بالعادات الصحيحة وتصحيح تلك الخاطئة حتى لا يؤدي شهر الصيام إلى تكدس الكيلوغرامات الزائدة، وإلى ارتفاع معدلات الدهون في الجسم وغيرها من المشكلات الصحية التي لا يمكن الاستهانة بها، خصوصاً في حال استمرارها للمدى البعيد.
يمتد الصيام في شهر رمضان خلال ما لا يقل عن 12 ساعة مما يسبب للصائم شعوراً بالحرمان ينتهي بالأكل العشوائي والمبالغة في تناول كميات زائدة من الطعام في موعد الإفطار، إلا أن الأكل الزائد ليس وحده المشكلة في العادات التي يتبعها الصائمون، بل تكثر الأخطاء التي يقعون فيها طوال الشهر، وكأن حلول رمضان يترافق حكماً مع عادات خاطئة مرتبطة بالتغيير الحاصل في نمط الغذاء خصوصاً.
وتشدد الاختصاصية في علم التغذية الدكتورة سوزان حيدر لـ"اندبندنت عربية" على ضرورة تجنب الأخطاء التي لا بد من تصحيحها مع بداية شهر الصيام.
الاعتماد على المشروبات الرمضانية خطأ يقع فيه كثر
بعد ساعات الصيام الطويلة تحل المشروبات الرمضانية الغنية بالسكر والوحدات الحرارية على مائدة الإفطار، ويعتمد عليها الصائمون بصورة أساسية لكسر صيامهم مما يعتبر من أبرز الأخطاء التي يمكن الوقوع فيها. فتناول الجلاب وقمر الدين وغيرهما من المشروبات الرمضانية المماثلة الغنية بالسكر يعتبر أسوأ اختيار لكسر الصيام. بصورة عامة، من غير المحبذ تناول السوائل الغنية بالسكريات في موعد الإفطار لأنها تؤدي إلى رفع معدلات السكر في الدم سريعاً، إضافة إلى كونها تحوي كمية كبيرة من الوحدات الحرارية. ويبقى الماء المشروب المفضل لكسر الصيام، ويأتي بعده الحساء من ضمن السوائل التي تشكل اختياراً صحيحاً يمكن الاعتماد عليه. علماً أن المشروبات الرمضانية تحوي معدلات من الوحدات الحرارية تختلف بحسب طريقة تحضيرها، لكن في كل ملعقتين منها 90 وحدة حرارية تقريباً. هذا، وحتى في حال المقارنة مع عصير البرتقال الطبيعي، يبقى الماء مشروباً مفضلاً من الناحية الغذائية كونه يساعد على ترطيب الجسم وتأمين الشعور بالارتواء من دون التعرض لوحدات حرارية زائدة وسكر.
الأكل سريعاً بعد ساعات الصيام
وبعد ساعات طويلة من الصيام والحرمان من الأكل، من الطبيعي أن يشعر الصائم برغبة في الأكل بكميات زائدة وبطريقة عشوائية. ويعتبر تناول الطعام سريعاً من أكثر العادات الغذائية الخاطئة شيوعاً في رمضان. فثمة حاجة إلى مدة معينة حتى تنقل المعدة رسالة إلى الدماغ حول الإحساس بالشبع، أما الأكل سريعاً فيؤدي حكماً إلى تناول كميات مبالغ فيها، مع ما ينتج من ذلك من عسر هضم وزيادة وزن تدريجاً. لذلك تشدد حيدر على أهمية الأكل ببطء، من بداية الإفطار، وفي مختلف مراحل الوجبة. فبعد شرب الماء، يمكن تناول السلطة، وبعدها الحساء بهدوء والاستراحة لبعض الوقت قبل الانتقال إلى الطبق الرئيس، وفي حال تناول الطعام تدريجاً بهذه الطريقة من الطبيعي أن يتناول الصائم عندها كميات أقل من الطعام خلال وجبة الإفطار.
طبق رئيس لا يختلف عن باقي أيام السنة
في شهر رمضان، ثمة ميل إلى الإكثار من الدهون من زبدة وسمنة في الأطباق، وتناول الوجبات الدسمة والمقليات. في الواقع، يجب ألا تختلف طريقة التحضير عن باقي أيام السنة، وخصوصاً، يخطئ الصائم بتناول طبق رئيس غني بالدهون، فيما من المفترض به أن يتناول طبقاً هو نفسه ما يتناوله في باقي أيام السنة. وتماماً كما تحضر هذه الأطباق في مختلف الأوقات، يجب أن تحضر في شهر رمضان فتكون صحية ولا تستبدل بها أيضاً أطباق أخرى دسمة ترتبط بشهر الصيام، لأنها من العناصر التي تسهم في زيادة الوزن ورفع معدلات الدهون في الجسم، وغيرها من المشكلات الصحية المرتبطة بالمبالغة في تناول الدهون. فالصائم لا يحتاج إلى نوع مختلف من الأطباق بحسب الاعتقاد السائد، بل يمكن التركيز على الغذاء الصحي والمتوازن.
التنويع إيجابي ولكن
على رغم أن التنويع في النظام الغذائي مطلوب وينصح به خبراء التغذية بصورة عامة، فإن المبالغة في أصناف الأطعمة الموجودة على المائدة الرمضانية من العادات الغذائية الخاطئة، أيضاً، في شهر رمضان. وهذا مما يؤدي عادة إلى الإفراط في الأكل لعدم القدرة على تحديد الكميات. ففي مثل هذه الحالة يلجأ الصائم إلى تناول مختلف الأصناف الموجودة على المائدة بطريقة عشوائية، وعلى رغم أن تناول المعجنات أو أي من الأطباق التي يمكن إضافتها إلى المائدة الرمضانية ليس بخطأ، لكن الشرط الأساس الذي يجب التقيد به هو ألا تكون هذه الأصناف موجودة يومياً على المائدة، تجنباً لزيادة الوزن، حتى إن استخدام الدهون، بصورة عامة يمكن أن يحصل بشكل استثنائي. وعلى سبيل المثال يجب عدم تناول رقاقات الجبن المقلية بصورة يومية في رمضان. من جهة أخرى، بسبب كثرة أصناف الطعام الموجودة على المائدة الرمضانية يهمل كثر تناول الفاكهة والخضراوات التي تؤمن عناصر غذائية أساسية للجسم، كما أنها مصادر أساسية للألياف والامتناع عن تناولها يسبب مشكلة الإمساك التي تعتبر من أكثر المشكلات شيوعاً في شهر رمضان.
الحلويات الرمضانية بين المسموح والممنوع
وقد يجد الصائم صعوبة في مقاومة الرغبة بتناول الحلويات بعد وجبة الإفطار، خصوصاً أنها موجودة دوماً على المائدة الرمضانية، إنما تناول الحلويات الرمضانية بعد الإفطار يعتبر خطأ فادحاً يقع فيه الصائمون. فبعد تناول وجبة غنية بأصناف متنوعة تأتي الحلويات مباشرة كإضافة تزيد فيها كمية الدهون والوحدات الحرارية والسكر، مما ينعكس على الوزن والصحة ويسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي أيضاً. في المقابل تعتبر الفاكهة أفضل مصادر السكر التي يمكن الحصول عليها بعد وجبة الإفطار لتأمين الفيتامينات والمعادن والألياف ومضادات الأكسدة التي يحتاج إليها الجسم، إضافة إلى السوائل التي تساعد على ترطيبه بعد ساعات الصيام. كما يمكن التركيز على التمر والفاكهة المجففة عامة، أما في حال الرغبة بتناول الحلويات بعد انقضاء بعض الوقت من انتهاء الإفطار، فيمكن تناول القطايف غير المقلية التي تحوي كمية أقل من الدهون، كما يمكن تناول الرز بالحليب الذي يشكل تحلية صحية تؤمن للجسم حصة من الحليب والنشويات إضافة إلى السكر بكمية قليلة.
إهمال السحور عادة شائعة
ويهمل كثر من الصائمين تناول وجبة السحور ويقللون من أهميتها، وتعتبر هذه الوجبة أساسية لتأمين الطاقة للجسم في ساعات الصيام التي تليها، لكن ليس ضرورياً أن تكون هناك مائدة لوجبة السحور، بل يمكن تناول وجبة تحوي الحليب أو اللبن مع الشوفان والمكسرات النيئة، كما تنصح حيدر، فتتأمن للجسم وجبة كاملة ومتكاملة تحوي النشويات والدهون الصحية والبروتينات، إذ تعتبر البروتينات والدهون الصحية أساسية في وجبة السحور لأنها تؤمن إحساساً بالشبع للصائم للمدى البعيد، كما أنها تؤمن له الطاقة. أيضاً، يمكن تناول نصف حبة من الأفوكادو مع المكسرات النيئة. في المقابل، يجب عدم تناول "الكرواسان" والمناقيش كما يفعل كثر في وجبة السحور، فهي من أسوأ الاختيارات التي يمكن القيام بها وتسبب شعوراً بالعطش في ساعات الصيام من دون أن تؤمن الإحساس بالشبع ولا الطاقة التي يحتاج إليها الجسم، وينطبق هذا على الزيتون والصعتر والمخللات فهي غنية بالملح، وتسبب إحساساً مزعجاً بالعطش للصائم.
الماء دفعة واحدة
ويخطئ كثر من الصائمين، أيضاً، بتناول الماء دفعة واحدة قبل موعد الإمساك لتأمين الشعور بالارتواء. في الواقع، لا يحفظ الجسم الماء الذي يدخل إليه دفعة واحدة بل يخسره مباشرة من دون الاستفادة منه، والمطلوب تناول الماء على دفعات عدة بين وجبتي الإفطار والسحور بكميات معينة هي بنحو ليتري ماء يومياً، مما يساعد على هدف ترطيب الجسم بمعدلات كافية وتعويض السوائل التي يخسرها خلال ساعات الصيام خصوصاً في حال ارتفاع درجات الحرارة.
الرياضة في الوقت المناسب
ويعتبر النشاط الجسدي مطلوباً حكماً في شهر رمضان كما في الأيام العادية، لكن قد لا يكون من المحبذ ممارسة نشاط جسدي زائد يجهد الصائم، كما أن اختيار التوقيت المناسب بممارسة الرياضة أمر أساسي، إذ يخطئ من يمارس الرياضة، خلال ساعات الصيام، لأن ذلك يؤدي إلى إجهاد الجسم بمعدلات زائدة، ويسهم في خسارة السوائل، مع ما يترافق من خسارة للأملاح المعدنية، يضاف إلى ذلك أن الإحساس بالعطش يزيد حكماً عندها مما يزيد من التحديات بالنسبة إلى الصائم. لذلك تنصح حيدر بممارسة الرياضة باعتدال، وذلك قبل موعد الإفطار مباشرة أو بعده لتجنب هذه المشكلات التي يمكن التعرض لها. وفي كل الحالات لا تعتبر ممارسة الرياضة محبذة في ساعات الصيام، لكن على من يفضل ذلك أن يمارسها قبل موعد الإفطار مباشرة بحيث يتمكن الصائم من الحصول على الغذاء والسوائل التي يحتاج إليها في موعد الإفطار بعد ممارسة الرياضة.
تغيير في عادات النوم أيضاً
بصورة عامة، يحصل تغيير كبير في برنامج النوم نظراً إلى ما يحصل من تغييرات في نمط الحياة عامة وبسبب ميل الصائمين إلى السهر، حتى إن النظام الغذائي المتبع من العوامل التي تسبب اضطرابات في النوم. فعلى أثر الإفراط في الأكل وكثرة الأصناف الموجودة وتناول الحلويات الرمضانية أيضاً، من الطبيعي التعرض لعسر هضم ومواجهة مشكلة الأرق عندها، وتعتبر اضطرابات النوم من المشكلات التي يمكن أن يواجهها الصائمون وقد تؤدي إلى ضعف في جهاز المناعة وغيرها من المشكلات الصحية والإرهاق، فيما من الضروري النوم بمعدل سبع إلى تسع ساعات في اليوم، أما في حال الأكل بطريقة صحية وهدوء، فلن يواجه الصائم اضطرابات في الجهاز الهضمي، مع ما ينتج منها من اضطرابات في النوم، مما يسمح بتأمين الراحة التي يحتاج إليها جسمه.