"المشكلة ليست بوقوع الاعتداء فقط، بل في الحق بالمقاضاة والمحاسبة"، هكذا يعلّق وجيه الأسد، الذي يعرف عن نفسه بأنه "أول مثلي سعودي بالعلن"، على مقطع فيديو يوثّق ضرب عابرات جنسيا في أحد مناطق السعودية.
وخلال الساعات الماضية، نشر ناشطون وفاعلون في مجتمع الميم مقطع فيديو يوثق حالة اعتداء على عابرات جنسيا في السعودية، وحمّلوا مسؤولية الأمر للقوانين المحلية التي تجرّم المثلية وتساهم في تعزيز الكراهية ضدهم.
ويُظهر المقطع، مجموعة من الأشخاص وهم يعتدون على عابرات جنسيا في مكان عام، وهو ما يؤكد عليه المتحدث باسم منظمة "ألوان" المعنية بحقوق مجتمع الميم في دول الخليج، طارق بن عزيز، مشيرا إلى أن الواقعة حدثت في الظهران بمدينة الدمام المُطلة على ساحل الخليج العربي بالمنطقة الشرقية.
ولم يتسن لموقع "الحرة" التأكد من صحة الفيديو من مصادر مستقلة أخرى، كما لا توجد أي تفاصيل عن العابرات اللواتي ظهرن في الفيديو، ولم تصدر السلطات أي بيان تعليقا على الفيديو أو إلقاء القبض على الأشخاص المتورطين في الاعتداء حتى الآن.
الاعتداء بسبب المظهر
وعن تفاصيل ما حصل مع العابرات، ينقل بن عزيز عن شهود عيان إن "الاعتداء وقع في موقف سيارات تابع لمركز تجاري كبير في الظهران بسبب مظهر وملابس العابرات وبعد مشادة كلامية مع أشخاص لم يعجبهم مظهر هؤلاء الفتيات اللواتي لم يفعلن شيئا إلا ممارسة حياتهن اليومية".
وأضاف بن عزيز أن "في مناطق مثل الظهران والخبر والدمام، هناك أماكن وتجمعات للعابرات جنسيا، إلا أنها غير آمنة بطبيعة الحالة، والغالبية منهن تفضلن البقاء في السيارة وعدم السير في الشوارع بملابس تشكل جريمة".
وتابع: "عندما نتحدث عن عابرات في السعودية، فنحن لا نقصد من أتم العمليات اللازمة للعبور، لأنها نادرة الحصول وصعب القيام بها في السعودية أو الخارج والعودة إلى المملكة".
وأشار إلى أن "العابرات بغالبيتهن يفضلن ارتداء قمصان واسعة والابتعاد عن العباءة لعدم إثارة الشبهات حولهن، لكن لطالما تعرضن لاعتداء أو طرد من المقاهي بسبب مظهرهن لا أكثر".
ويضيف: "كنت أعيش في المنطقة الشرقية، وتحديدا بين الظهران والخُبر والدمام. وعادة كانت هناك تجمعات للعابرات الجنسيات في هذه المناطق رغم الخوف، لهذا فهن يخرجن لأماكن محددة ويفضلن البقاء في السيارة، وعدم المشي (السير) في الشارع بملابس قد تكون لافتة لهن".
وعن أسباب هذا الاعتداء، يقول الأسد، وهو كاتب وناشط حقوقي، لموقع "الحرة"، إن "السلطات لم تقم بشخصها بهذا الاعتداء الظاهر في مقطع الفيديو، لكن ساهمت فيه بغياب القوانين الداعمة، بل وتجريم المثلية الجنسية واعتقال أفراد مجتمع الميم".
واعتبر أن "تصرف الأفراد ينبع من الفكر الرافض للحريات الشخصية والرغبة بالإبلاغ والمحاسبة على مستوى أفراد وليس مؤسسات".
وأوضح الأسد أن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي مارست دورا رقابيا لسنوات طويلة زرعت فكرة لدى البعض بإمكانية المحاسبة والتصرف دون الرجوع إلى السلطات، ما يدفع الناس أحيانا للضرب وحتى التوقيف".
ولعبت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دورا في تطبيق القوانين المتعلقة بالشريعة الإسلامية داخل السعودية منذ عقود، قبل أن يتم تقليص صلاحياتها بشكل واسع خلال السنوات القليلة الماضية، رغم نشرها بيانا قبل أكثر من عام تقول فيه إنها تقوم بأعمالها واختصاصاتها وفق ما لديها من أنظمة وتعليمات.
بينما يشدد بن عزيز على أن "الجنس الثالث غير مرحب به في أغلب المقاهي المحلية، وكان يتم إبلاغهم بذلك بشكل مباشر من قبل أصحابها والعاملين بها. هذا إلى جانب الاعتداءات المتكررة في الشارع والاعتقالات من قبل الشرطة بتهم التشبه بالنساء خصوصا عند ارتداء العباءة وهي زي تقليدي في المملكة".
"لا مكان لنا".. قصص هروب سعوديين وسعوديات بسبب المثليةاستجمع الشاب السعودي تركي شجاعته، العام الماضي، وأخبر والدته بأنه مثلي جنسيا، إلا أن عدم تقبل العائلة والمجتمع دفعه إلى مغادرة بلاده سعيا إلى الحرية وحفاظا على سلامته.غياب الحماية
وعن الطرق القانونية التي يمكن لهذه العابرات اتباعها بعد الاعتداء عليهن، يقول الأسد إن "المعتدى عليهن من العابرات في الفيديو لن يتمكن من المطالبة بحقوقهن لأنه سيتم توقيفهن، على خلاف البيانات الترحيبية المنشورة على الموقع الإلكتروني لهيئة السياحة السعودية، والتي لا تعكس الواقع القانوني بحق مجتمع الميم".
وكان موقع هيئة السياحة السعودية، قد أجاب على سؤال حول ما إذا كان أفراد مجتمع الميم مرحب بهم لزيارة المملكة، بحسب تقرير لشبكة "سي أن أن"، إلا أنه لم يعد ظاهرا في الصفحة المخصصة للأسئلة، وكانت الإجابة كالآتي:
"نرحب بالجميع لزيارة المملكة العربية السعودية ولا يُطلب من الزوار الكشف عن مثل هذه التفاصيل الشخصية".
ويُشكك الأسد في نوايا السلطات بشأن الترحيب بأفراد مجتمع الميم لزيارة البلاد، حيث أن "غياب القوانين التي تُجرم كراهية المثليين والعابرين جنسيا هو ما يقف وراء تزايد العنف ضد مجتمع الميم"، متهما الحكومة بمساعدة "المواطنين أن يكونوا من أدوات فرض القانون على المواطنين الآخرين".
وأشار الأسد إلى أن "السعودية تقول إنها دولة ترحب بالانفتاح والرأي الأخر وتقبل جميع الثقافات، ونريد أن نكون دولة سياحية ولدينا تداخل مع الثقافات الدولية، لكن أين هي التغيرات الجذرية التي حدثت على أساس القوانين؟".
وتابع: "كل التغييرات التي حدثت ليست تغييرات جذرية، ليس هناك قوانين دستورية أو حتى أوامر ملكية تجرم الاعتداء على أفرد مجتمع الميم. وإن إعلان هيئة السياحة لا يعتد به طالما لا توجد قوانين تحمي حقوق المثليين. إلا الآن السعودية ليست مكانا سهلا للترحيب بالمثليين".
ويؤكد هذا أيضا المتحدث باسم منظمة ألوان طارق بن عزيز، قائلا "الرياض باتت منفتحة الآن، لكن ليس بالصورة التي يتوقعها الناس. هناك بعض المثليين الذين يتعرضون للمضايقات والغرامات غير المبررة خصوصا بعد مشاركتهم في حفلات موسيقة ومناسبات أخرى بالعاصمة، لكن الوضع ليس كمثل المنطقة الشرقية حيث تزداد معاناة مجتمع الميم".
تشهد المملكة بقيادة الأمير، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، انفتاحا اجتماعيا بعد عقود من الإغلاق والقيود المشددة، فأعيد افتتاح دور السينما، وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، ووُضع حد لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء.
لكن هذا الانفتاح لم يطل الأقليات الجنسية التي لا تزال تعجز عن التعبير عن هوياتها الجنسية علانية، بحسب وكالة "فرانس برس".
في المقابل، حاول موقع "الحرة" التواصل مع مكتب التواصل الحكومي وهيئة حقوق الإنسان في السعودية، إلا أنه لم يتلق أي رد حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
ما موقف القانون السعودي؟
ليس لدى السعودية قوانين مكتوبة تتعلق بالتوجه الجنسي أو الهوية الجنسية، لكن القضاة يستخدمون مبادئ الشريعة الإسلامية غير المدونة لمعاقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم علاقات جنسية خارج إطار الزواج، بما في ذلك الزنا، أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج أو ممارسة الجنس المثلي، أو غيرها من الأفعال "غير الأخلاقية".
كما يستخدم القضاة والمدعون العامون أحكاما غامضة في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في البلاد، والتي تجرم النشاط عبر الإنترنت الذي يمس "النظام العام والقيم الدينية والأخلاق العامة والخصوصية" لأي نشاط داعم لمجتمع الميم عبر الإنترنت، بحسب تقرير لموقع "أوت" المهتم بقضايا مجتمع الميم.
يواجه المثليون وصمة عار اجتماعية في السعودية حيث تعد المثلية جريمة يعاقب عليها بالإعدام.
إلا أنّ منظمات حقوقية تشير إلى أنه من الصعب معرفة المدى الفعلي للمشاكل القانونية التي تواجهها الأقليات الجنسية.
وذكرت وزارة الخارجية الأميركية، في تقرير لها عن حقوق الإنسان عن المملكة، إنه "لا توجد محاكمات معروفة بموجب هذه القوانين" في عام 2021.
وجاء في التقرير "لم تطبق الحكومة هذه القوانين بشكل فعال، إلا حين ينشر الأفراد صورا لما يعتبر ملابس الجنس الآخر على وسائل التواصل الاجتماعي".
وهنا، يتحدث بن عزيز عن فترة اعتقاله في السجون السعودية، بتهم "الترويج للمثلية" و"مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية" وحتى "مخالفة قانون المعلوماتية"، موضحا أنه "سجن لمدة سنة قبل أكثر من عامين، ووجهت له مجموعة من التهم والتي عادة ما توجهها السلطات إلى أغلب أفراد مجتمع الميم داخل السعودية الذين يلقون مصيرا مختلفا بحسب كل حالة".
وتنفذ السلطات السعودية اعتقالات بتهمة ارتداء ملابس مغايرة وأمرت بالسجن والجلد للمثليين المتهمين بالتصرف مثل النساء، علما أن الاتصال الجنسي المثلي يعاقب عليه بالإعدام، وفقا لما نقلته وكالة رويترز عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير لها نشر عام 2016.
وأضاف بن عزيز: "عندما دخلت إلى السجن وضعت في زنزانة انفرادية على جدرانها دوّنت قصة إحدى العابرات التي ذكرت أنها سجنت لعامين بتهمة التشبه بالنساء مشيرة إلى انتهاكات حقوقية تعرضت لها بسبب لباسها ومظهرها الخارجي".
وتابع: "عندما طلبت الانتقال إلى سجن مشترك خوفا من عدم إعادة ما تعرضت له هذه الموقوفة التي لا أعلم مصيرها الآن، التقيت بمثلي جنسي أوقف بتهمة الشواذ ومخالفة أحكام الشريعة، ما جعلني أشعر بأنني لست وحيدا في هذا العالم"، لكن "عندما تمكنت من الخروج، انتقلت إلى الولايات المتحدة، ولن أعود إلى المملكة التي لا أضمن حياتي داخها".
وحسب مؤشر"LGBTQ+ Danger Index"، فإن خمس دول تعاقب المثليين بعقوبات قد تصل إلى الإعدام بينها ثلاث دول عربية هي قطر واليمن والسعودية، إضافة إلى نيجيريا وإيران.
في عام 2019، نفذت المملكة العربية السعودية إعداما جماعيا لـ37 رجلا اتُهموا عموما بالتجسس أو الإرهاب لصالح إيران. بالإضافة إلى ذلك اتُهم خمسة من هؤلاء بممارسة الجنس مع بعضهم البعض، بحسب موقع "Lgbtqnation" المعني بقضايا مجتمع الميم.
وقبل أكثر من 7 أعوام، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرا رصدت فيه وفاة امرأة باكستانية عابرة جنسيا في مركز شرطة بالرياض، بعد القبض عليها في مداهمة لإحدى الفعاليات، مطالبة الحكومة السعودية بالتحقيق في الواقعة وإطلاق سراح 5 آخرين لا يزالون رهن الاحتجاز.
وذكرت وسائل إعلام سعودية آنذاك أن الشرطة داهمت حفلا كان فيه رجال يرتدون زي النساء ويضعون مساحيق التجميل واعتقلت نحو 35 شخصا، لكن وسائل الإعلام لم تستخدم كلمة عابر جنسيا، ولم تذكر مقتل أي شخص.
ولم ترد وزارة الداخلية السعودية على الفور على طلب للتعليق من المنظمة، ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من وزارة الداخلية الباكستانية. ولم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من الوفيات.
بدوره، يشدد الأسد على أن "التغيير الجذري يبدأ من القوانين، خصوصا أن هناك ازدواجية في التعامل مع أفراد مجتمع الميم في السعودية، حيث لا يلقى الجميع نفس التهم والعقوبات، وبل وبعضهم يعيش بحرية مدعومة من النفوذ الاجتماعي والأسري".
وحاول موقع "الحرة" التواصل مع رئيس الاتحاد العربي لحقوق الانسان، عيسى العربي، للحديث عن موقف القانون السعودي من المثلية ومدى ارتباط ذلك بازدياد جرائم الكراهية والاعتداء على أفراد مجتمع الميم في المملكة، إلا أنه رفض التعليق.
وفي أبريل 2022، طلبت السلطات السعودية من شركة ديزني إزالة "إشارة إلى مجتمع المثليين" من أحدث أفلام "مارفل" لكي تسمح بعرضه في دور السينما في المملكة المحافظة.
والفيلم الذي تشترط المملكة حذف هذه الإشارة منه هو "Doctor Strange in the Multiverse of Madness"، لكن الشركة الأميركية رفضت الامتثال لطلب المملكة، وهو ما أدى لعدم عرض الفيلم في دور العرض بالمملكة في نهاية المطاف.
وفي العام نفسه، بثت قناة الإخبارية الحكومية تقريرا قالت فيه إن السلطات السعودية صادرت ألعابا وقمصانا ومتعلقات للأطفال بألوان قوس قزح الذي يرمز لمجتمع الميم من محلات في الرياض، في إطار حملة حكومية لمكافحة "المثلية الجنسية".