منذ أسابيع، يحاول وسطاء من مصر وقطر وكذا الولايات المتحدة تقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق هدنة في غزة مع حلول رمضان، إلا أن هذه المساعي تواجه عقبات صعبة، ما يعقد مهمتهم خاصة وأنه لا تفصلنا إلا أيام قليلة عن شهر الصيام، وكل المؤسسات الإنسانية والحقوقية الدولية تحذر من وقوع كارثة إنسانية بالقطاع بسبب الجوع والأمراض.
وكانت وكالة الأنباء الفرنسية نقلت عن مصدر، وصفته بـ"المطلع" في حركة حماس لم يود الكشف عن اسمه، أن مشروع وقف إطلاق النار المتفاوض بشأنه، تصل مدته لـ42 يوما. فيما لم تتجاوز مدة الهدنة الوحيدة خلال هذه الحرب الأسبوع الواحد في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وقال ذات المصدر: "بموجب مقترح الهدنة الجديدة، ستطلق الحركة سراح 42 إسرائيليا من النساء والأطفال دون سن 18 عاما إلى جانب المرضى والمسنين. في المقابل، سيتم إطلاق سراح سجناء فلسطينيين بنسبة 10 مقابل واحد"، مشيرا إلى أن الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية "من المدن والمناطق المأهولة" في قطاع غزة.
وأوضح في هذا الباب "أن ذلك سيمكن النازحين من العودة إلى شمال القطاع"، لافتا إلى أن الاقتراح يستثني "عودة الذكور بين 18 و50 عاما".
وذكر المصدر أن مشروع الاتفاق يتضمن "زيادة عدد شاحنات المساعدات لتصل إلى ما بين 400 إلى 500 شاحنة مواد غذائية وطبية يوميا، وإدخال وقود بكميات كافية لتشغيل كافة المستشفيات بما فيها الخارجة عن الخدمة ومحطات المياه والمخابز في كل مناطق القطاع".
الصعوبات التي تواجه المفاوضات
وتواجه هذه المفاوضات اليوم عقبات خطيرة قد تعصف بها في أي لحظة، بسبب خلافات حول جملة من النقاط أبرزها، أن حماس تشترط "الوقف الشامل للعدوان والحرب ولاحتلال قطاع غزة" و"البدء بعمليات الإغاثة والإيواء وإعادة الإعمار"، وفق ما أفاد عضو القيادة السياسية للحركة باسم نعيم وكالة الأنباء الفرنسية.
لكن إسرائيل ترفض هذا الشرط، مؤكدة نيتها مواصلة هجومها حتى تحقيق هدفها الذي حددته منذ بداية الحرب، وهو "القضاء" على هذه الحركة الفلسطينية، كما تشترط في الوقت نفسه أن تقدم لها حماس قائمة محددة بأسماء الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في قطاع غزة، إلا أن نعيم قال في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية الإثنين إن الحركة "لا تعرف من هو حي... ومن هو ميت" من الرهائن.
ورغم دعمها لإسرائيل، تمارس الإدارة الأمريكية نوعا من الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خاصة مع تعقد الوضع الإنساني في غزة وارتفاع المزيد من الأصوات الدولية الداعية لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات. واعتبر الرئيس جو بايدن أنه "لا أعذار" لإسرائيل في مواصلتها منع دخول شاحنات المساعدات.
وإن كان رمى بالكرة لحماس حيث اعتبر أن "الأمر بيدها حاليا"، إلا أن الرئيس الأمريكي أعرب في الوقت نفسه عن خشيته من وضع "خطير للغاية" في إسرائيل والقدس إذا لم تتوصل إسرائيل والحركة الفلسطينية الإسلامية لوقف إطلاق نار في غزة قبل حلول شهر رمضان.
وبدوره كان وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن دعا حماس إلى القبول بـ"وقف إطلاق نار فوري". واعتبر بلينكن أنه "لدينا فرصة لحصول وقف فوري لإطلاق النار يمكّن رهائن من العودة إلى ديارهم ولزيادة كبيرة في كمية المساعدات الإنسانية التي تصل إلى الفلسطينيين الذين هم بأمس الحاجة إليها، وبعد ذلك وضع الشروط الآيلة إلى حل دائم"، مضيفا "على حماس اتخاذ القرارات حول ما إذا كانت مستعدة للانخراط في وقف إطلاق النار هذا".
"لن نسمح بأن يكون مسار المفاوضات مفتوحا بلا أفق"
وردا على الضغط الأمريكي، يشرح القيادي في حماس أسامة حمدان موقف الحركة الإسلامية بالقول: "لن نسمح بأن يكون مسار المفاوضات مفتوحا بلا أفق"، وأكد حمدان أن "ما فشل العدو في تحقيقه في ميدان القتال، لن يحققه على طاولة المفاوضات"، قبل أن يضيف: "أمن وسلامة شعبنا لن تتحقق إلا بوقف دائم لإطلاق النار وانتهاء العدوان والانسحاب من كل شبر من قطاع غزة".
وشدد في تصريح، نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، على أن "توفير المأوى العاجل والمناسب وإدخال المساعدات لأهلنا وشعبنا في غزة هو أولوية قصوى، وأي عملية تبادل للأسرى لا يمكن أن تتم قبل أن يتحقق كل ذلك".
وفي نفس السياق، شدد عضو القيادة السياسية لحركة حماس باسم نعيم على شرط "الوقف الشامل للعدوان والحرب ولاحتلال قطاع غزة" و"البدء بعمليات الإغاثة والإيواء وإعادة الإعمار". وهو ما ترفضه إسرائيل التي تؤكد نيتها مواصلة هجومها حتى القضاء على حركة حماس، وفق ما رسمته من أهداف من هذه الحرب منذ بدايتها.
وفي حديث لفرانس24، يعتبر الدكتور عصام الملكاوي أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية أنه يأتي على رأس أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين "انعدام الثقة، وتحتاج إليها بشكل أكبر المقاومة الفلسطينية، لأنها تشعر بأن الجميع يتآمر عليها، لذلك هي تبحث عن ضامن دولي حقيقي للاتفاق حتى تعطي ما يمكن أن تعطيه لإنجاز الصفقة. أما إسرائيل، فهي لا تبحث عن ضامن دولي بل على العكس تحاول أن تأخذ كل ما تستطيع، وتعاود القتال مرة أخرى لمكاسب أخرى".
كما أن "كل طرف له شروط تبدو تعجيزية أمام الطرف الآخر، وكل طرف يحاول أن يظهر بأنه غير مكترث بمطالب الطرف الآخر، ويحاول كسب الوقت لإنهاك الطرف الآخر لإجباره على التنازلات" بحسب رأي ملكاوي.
ويضيف الباحث الأردني أنه في مثل هذا النوع من المفاوضات، "في البداية كل طرف يقدم أقصى ما يمكن من المطالب، وبعملية التفاوض ودور الوسطاء يبدأ التنازل، إلا أن المقاومة ليس لديها ما تخسره..."، بعد الحصيلة الثقيلة في عدد الضحايا والخسائر المادية التي تضرر منها القطاع، "لذلك لا بد أن تخرج من هذه الحرب بنصر معنوي..."، يخلص ملكاوي.
الأمل في حصول هدنة؟
و"يبدو أن هناك أمل في التوصل لاتفاق هدنة قبل حلول رمضان"، يستشرف ملكاوي مآل هذه المفاوضات، "لأن الدول الكبرى تعلم ما يمكن أن تحمله أيام رمضان إذا استمرت الحرب خلاله على غزة، فأمريكا تضغط وأوروبا تضغط، وكذلك الدول العربية التي ربما قد تفلت الأمور في بعضها وندخل في ربيع عربي جديد وهذا ما يخشاه الجميع...".
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر الأربعاء إن الولايات المتحدة ما زالت تعتقد أن العقبات، التي تعترض المحادثات الرامية لوقف موقت لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، لا تستعصي على الحل وأن من الممكن التوصل إلى اتفاق.
وتجنب المسؤول الأمريكي الحديث عن أي فشل في الأفق لهذه المفاوضات، مشددا على أن واشنطن "تدفع نحو خاتمة ناجحة لهذه المحادثات".
وانسحب ممثلو حماس الخميس من المباحثات الجارية في مصر التي كانت تجرى بدون حضور إسرائيلي، "للتشاور مع القيادة"، واتهم سامي أبو زهري القيادي في حركة حماس إسرائيل بأنها "أفشلت" كل جهود الوسطاء للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وأضاف في حديث لرويترز أن إسرائيل ترفض مطالب حماس "بوقف العدوان والانسحاب وضمان حرية دخول المساعدات وعودة النازحين". لكن المفاوضات ستظل مستمرة بضغط من المجتمع الدولي على الطرفين. فهل ستكلل قريبا بوقف لإطلاق النار؟