ناقش مجلس التعاون لدول الخليج العربية ملفات المنطقة والإقليم الراهنة في اجتماع نادر مع كل من مصر والمغرب والأردن، كلاً بمفردها، على وقع الحراك المتجدد نحو معالجة آثار الحرب في غزة وتعقيدات المشهد الذي خلفته، بما في ذلك تكثيف الجهود الرامية إلى حل الدولتين.
وشهدت العاصمة السعودية الرياض الاجتماع الوزاري الـ159 المشترك لدول مجلس التعاون الذي أقيمت على هامشه خطة العمل المشتركة مع الدول من خارجه، وسبل تعزيز التعاون، إذ بحثت أطراف الاجتماع الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة ودعم مسار السلام بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وعاصمتها القدس الشرقية.
مصر جزء من الخليج
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال كلمته في الاجتماع "إن المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية المصرية والخليجية مصالح مشتركة لا تتجزأ ولا تنفصل، وإن العلاقات الوثيقة بيننا كانت، وما زالت، ركيزة الاستقرار في المنطقة".
وأشار شكري إلى أن "الحرب في غزة تلقي بظلالها على الأمن والسلم الدوليين، وأن الأزمة كشفت عن عجز المجتمع الدولي عن إظهار إرادة حاسمة ونافذة لفرض وقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية للقطاع"، لافتاً إلى أن الحروب والحلول الأمنية لم تقدم للمنطقة "إلا مزيداً من الحروب والدماء والعنف والتطرف، ولن يتحقق السلام والأمن والاستقرار إلا بالانتقال إلى مسار وحل سياسي جاد للقضية الفلسطينية والبدء في تنفيذ حل الدولتين من خلال تجسيد دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية".
في غضون ذلك، أكد وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي تترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس التعاون حرص الطرف الخليجي على "التعاون والاستمرار في المحادثات تفعيلاً لمذكرة التفاهم بين الأمانة العامة ووزارة الخارجية في مصر بعدد من مجالات التعاون، وذلك رغبة في تعزيز الارتقاء بالعلاقات بين دول المجلس ومصر لمزيد من النمو والازدهار"، وكذلك الشأن بالنسبة إلى المغرب والأردن.
ملف سد النهضة
وأكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي خلال الاجتماع الوزاري أهمية العلاقات الخليجية مع مصر، والتي تشكل لدول مجلس التعاون "بعداً عربياً مهماً وشريكاً أخوياً استراتيجياً لا غنى عنه، مما جعل الطرفين يحرصان على تعميق مسارات التعاون الثنائي، وكذلك وجود الرغبة المشتركة لمواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة العربية".
وشدد مجلس التعاون الخليجي على أن الأمن المائي المصري والسوداني "جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي ويرفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوقهما في مياه النيل"، كما شدد على دعم ومساندة دول المجلس لجميع المساعي التي من شأنها أن تسهم في حل ملف سد النهضة بما يراعي مصالح جميع الأطراف، مؤكداً ضرورة التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن وفقاً لمبادئ القانون الدولي وما نص عليه مجلس الأمن في هذا الصدد.
وأكد البديوي موقف المجلس الداعم لوحدة وسيادة الأردن ودعم جميع الإجراءات التي تتخذها عمان لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والأنشطة غير المشروعة الأخرى التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، مديناً "الاعتداءات المسلحة على الحدود الأردنية من قبل الجماعات الإرهابية، ومهربي المخدرات".
وأوضح البديوي كذلك أن مواقف المجلس وقراراته ثابتة في شأن الحفاظ على أمن واستقرار المغرب ودعم "مغربية الصحراء" ومساندة مبادرة الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب ووحدة أراضيه، معرباً عن ترحيب مجلس التعاون الخليجي بترشح المغرب لعضوية مجلس الأمن الدولي للفترة بين 2028 و2029.
التدخلات الخارجية في شؤون العرب
من جانبه أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أهمية الاجتماع الوزاري مع دول الخليج في إطار العلاقات الوثيقة والشراكة الاستراتيجية المتميزة بين الجانبين، مشيراً إلى أن المناسبة فرصة للمحادثات في مسار الشراكة الاستراتيجية القائمة منذ 2011 والنظر في "كيفية تطويرها، وهي مناسبة للتشاور والتنسيق حول قضايا إقليمية في ظل حرب غزة والتهديدات المرتبطة بالتدخلات الخارجية السلبية في شؤونا العربية والتهديدات التي تشكلها الجماعات الانفصالية المهددة للوحدة العربية"، معتبراً أن "العلاقات المغربية - الخليجية تميزت على الدوام بالروابط العميقة وبالوشائج الأخوية الوثيقة التي تعبر على الترابط والتواصل الأخوي بين ملك المغرب محمد السادس وملوك وأمراء دول الخليج". وأضاف "شكل خطاب الملك محمد السادس في قمة الرياض المغربية الخليجية في أبريل 2016 محطة فاصلة ومرجعاً في علاقتنا، وعلى رغم المسافات الجغرافية التي تفصل بيننا توحدنا روابط قوية لا ترتكز في اللغة والدين والحضارة، إنما تستند أيضاً على التشبث بالقيم نفسها والمبادئ والتوجهات البناءة نفسها"، مؤكداً أن الشراكة المغربية - الخليجية "ليست وليدة مصالح ظرفية أو حسابات عابرة، وإنما تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير".
"تعاون وليد ضرورة"
من جهته اعتبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال كلمته في الاجتماع الوزاري أن تعاون بلاده مع الخليج "وليد ضرورة وإرادة مشتركة، فأمننا واحد، ومصالحنا واحدة وقدرتنا على مواجهة التحديات المشتركة تزداد كلما عملنا معاً فريقاً واحداً، وما نواجهه اليوم يمثل التحدي الأكبر في منطقتنا، وهو استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ونعمل جميعاً على من أجل وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية الكافية لأكثر من مليوني فلسطيني يواجهون المجاعة، بحسب تقديرات منظمات أممية، ولا تزال إسرائيل تمنع دخول المساعدات بصورة كافية لها".
وخلص إلى أن القضية الفلسطينية "قضيتنا جميعاً، ولن نألو جهداً في العمل من أجل القيام بك ما يلزم لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم، والذي لن يتحقق الا إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة، وفي مقدمها حقهم في الدولة والحرية بحسب حدود 67، وعاصمتها القدس"، معرباً عن تطلعه إلى العمل ليس في تطوير علاقات عمان الثنائية مع الخليج فحسب، بل كذلك "من أجل إنهاء حرب غزة وإيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل الذي لن تنعم منطقتنا بالاستقرار ما دامت الحرب في غزة مستمرة، وما دام هذا الصراع مفتوحاً".
وكانت منظومة دول الخليج قد أولت الدول الثلاث العربية اهتماماً خالصاً منذ مرحلة ما يسمى الربيع العربي الذي قوض الاستقرار في مناطق عربية عدة.