• الساعة الآن 04:19 PM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ثمن العزوبية الحقيقي الذي يدفعه العازبون

news-details

أحياناً، عندما أدقق بذهول بفاتورة الغاز والكهرباء وضريبة البلدية الشهرية التي أسددها، يتبادر إلى ذهني تلقائياً فيلم عام 2015 "الكركند".

في هذه القصة الغريبة والقاتمة التي قدمها المخرج يورغوس لانثيموس (الذي اشتهر أخيراً من خلال فيلم Poor Things)، يفرض القانون على كل شخص أن يكون لديه شريك. عندما تنتهي علاقة ما، يرسل الطرفان إلى نوع من الخلوة المخصصة للعازبين حيث يفترض بهما أن يجدا "شريكاً" جديداً بسرعة استناداً إلى عوامل عشوائية- كأن يرتدي كل من الشخصين نظارة أو أن يعانيا من نزف في الأنف بانتظام. ماذا لو لم تجد شريكاً جديداً خلال الفترة الزمنية المحددة لذلك؟ إما تتحول إلى حيوان أو يفرض عليه العيش كشخص منبوذ في البرية، حيث يطاردك الأزواج بلا رحمة ويقتلونك.

مع إن الفيلم يقدم صورة غريبة وديستوبية بائسة عن الحياة، لا يسعني في بعض الأحيان، عندما أدفع كل تلك الفواتير وأشاهد برعب حسابي المصرفي يتناقص حتى الصفر، سوى أن أتأمل في الفيلم بشيء من الحزن. تخيلوا لو قضيت بضعة أسابيع في فندق جميل ثم خرجت منه برفقة شخص سيمكنني من خفض مصاريفي الشهرية إلى النصف فوراً… يبدو ذلك ضرباً من الخيال.    

لهذا شعرت ببعض الفرح عندما رأيت خبر الخطوة الشجاعة التي اتخذها مجلس بلدي في بلجيكا قرر دراسة تأثير سياساته على العازبين، إذ نتيجة الحملة الدؤوبة التي قامت بها عضو البلدية البلجيكية كارلا ديجونجه، بعد قضائها الجزء الأكبر من العقد الماضي في الضغط من أجل رفع مستوى الوعي بشكل العقوبة المفروضة على العازبين، أصبحت بلديتها الواقعة في والو-سان-بيار في ضواحي بروكسل أول بلدية في أوروبا تأخذ بعين الاعتبار رسمياً الأشخاص الذين يعيشون وحدهم. وقالت ديجونجه لصحيفة "ذا غارديان" "إنه إنجاز مهم. للمرة الأولى، تلزم بلدية نفسها بدراسة سياساتها من منظور العازبين".

وشددت على أن الجميع أغفل النقطة سابقاً، "لم يفكر أحد أبداً في هذا الموضوع"، مع أن هذه الفئة الاجتماعية "ضخمة" إذ تشمل 36 في المئة من كافة الأسر البلجيكية. وليست المملكة المتحدة ببعيدة عن هذا الموقع، فنحو أسرة من بين كل ثلاث أسر بريطانية (30 في المئة) كانت تتألف من شخص واحد في عام 2022، وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية. إنه الشكل الثاني الأكثر شيوعاً للأسر، ويضم 8.3 مليون شخص بصورة إجمالية. ومع ذلك، كما تقول ديجونجه "تطور مجتمعنا من دون أن تواكب سياساتنا هذا التطور".    

تشمل الإجراءات التي ينص عليها ميثاق البلدية الجديد، الذي صوت عليه أعضاؤها بالإجماع، الدفع باتجاه تبني خطط الإسكان الجديدة مساحات مشتركة تمكن السكان من التواصل مع بعضهم بعضاً، وتشجيع أماكن العمل المحلية على التوقف عن الاعتماد على العازبين للعمل ساعات إضافية، ونصح أماكن الاستقبال والضيافة ببيع مزيد من أنواع النبيذ بالكأس ووضع طاولات مشتركة، وحتى تغيير الدعوات التي ترسل للمشاركة في فعاليات البلدية بحيث يكتب عليها أنه يمكن للضيف اصطحاب "شخص إضافي" بدل "شريك". 

وقالت ديجونجه "إنها خطوات بسيطة فحسب. وهي لا تكلف مبلغاً كبيراً لكنها منطقية جداً".

إنه فعلاً أمر بسيط، لكن مجرد مفهوم إيلاء اعتبار جدي للعازبين أثناء عملية اتخاذ القرارات يبدو مسألة ثورية. ومن أبرز الأمثلة على هذا ضريبة البلدية في المملكة المتحدة. نعم، يمكن للأسرة ذات الفرد الواحد الحصول على تخفيض، لكنه يساوي 25 بدل 50 في المئة. كثيراً ما وجدت هذه النقطة غير منطقية بقدر ما هي مزعجة: فلا شك، إن كنت تجني نصف الدخل الذي تجنيه أسرة مؤلفة من شخصين، أنه من المفترض بك دفع نصف الثمن؟ وأفكر في هذا الموضوع كذلك كلما استلمت فاتورة الإنترنت. فأنا أدفع القيمة نفسها التي يدفعها جيراني، بينما هم أسرة يستخدم أفرادها خمسة أجهزة تصول وتجول في الإنترنت في الوقت نفسه فيما أجلس وحدي مع حاسوبي الصغير وهاتفي الذكي.

ثم لديك عملية التبضع الأسبوعية لشراء المواد الغذائية: أصناف كثيرة جداً من السلع الغذائية مصممة للعائلات والأسر المتعددة الأفراد. كلما اشتريت رغيف خبز، يصيب معظمه العفن. أما شراء قطعة جبن لتطبيق وصفة فيعني أن نصف القطعة سيغطيه العفن كذلك، كما أن فرع متجر آسدا في منطقتي لا يبيع البطاطا الحلوة سوى في أكياس من خمس حبات، أي إن حبتين منهما ستلقيان في سلة المهملات بالتأكيد. والمنتجات الوحيدة التي تستهدف العازبين فعلاً هي وجبات الميكروويف- لأنه محرم علينا أن نطهو لأنفسنا بدل الانضمام آسفين إلى كتيبة "اثقب العلبة واطبخها" للوجبات الجاهزة، كما كانت تسميها شريكتي السابقة في السكن.  

أتريد السفر لقضاء العطلة وحدك؟ استعد لكي تعاقب جزاء كونك عازباً. عندما عملت محررة لمقالات السفر، كان أكثر سؤال يطرح عليّ كيف يمكن تفادي دفع الكلفة الإضافية التي لا بد منها في غرف الفنادق والرحلات البحرية.

وفي الحقيقة، يبدو أنك أينما نظرت، ستجد أن الحياة مصممة لفرض ضرائب على من لا يملك شريكاً من بيننا. في عام 2023، احتسبت شركة تقديم خدمات مالية كل المبالغ الإضافية المتراكمة المفروضة على العازبين: وهي تعادل مبلغاً صاعقاً، هو 860 جنيهاً استرلينياً شهرياً، أي ما يساوي إجمالي 10 آلاف جنيه استرليني سنوياً. وحسبت شركة "هيرزغريفز لانسداون" أن الفرد العازب في المملكة المتحدة يدفع بالمعدل 1851 جنيهاً استرلينياً لقاء الفواتير الشهرية (بما فيها الطعام والإنترنت واشتراكاً في نتفليكس) بينما ينفق الأشخاص الذين يشكلون جزءاً من زوجين نحو 991 جنيهاً. ولو أضفت إلى ما تقدم كل التخفيضات التي تمنح للأزواج الذين يشترون خدمات مثل خدمات النادي الرياضي أو عضوية في الصندوق الائتماني الوطني، ناهيك بالتنزيلات الضريبية المحددة للمتزوجين أو المرتبطين بشراكات مدنية، يصبح من الواضح جداً أنه فيما الحب يؤلم المرء، فالعزوبية تؤلم محفظته.  

في نهاية المطاف، ما يعنيه وجود سياسات أفضل للعازبين هو التوصل إلى مجتمع أفضل لنا جميعاً. وقد لخصت ديجونجه، وهي نفسها عازبة، الموضوع بقولها "يتعلق الأمر بالمساواة. على الجميع أن يعوا شيئين: الوضع الذي يعتبر جيداً بالنسبة إلى شخص يعيش وحده لا بد أن يكون جيداً للجميع. وثانياً، سواء رغبتم بذلك أم لا، ستجدون جميعاً أنفسكم وحدكم في مرحلة من المراحل".

شارك الخبر: