• الساعة الآن 02:41 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

هكذا تجر سلطة صنعاء أطفال التسول إلى التجنيد

news-details

تجند سلطة أنصار الله آلاف الأشخاص منذ السابع من أكتوبر 2023، بمن فيهم أطفال تقل أعمارهم عن 15 سنة، وهو ما يمثل جريمة حرب، إلا أن ما تجاوزته سلطة الجماعة في صنعاء ليس القوانين والأعراف الدولية فحسب، بل إنها تجردت كما هو ظاهر من القيم الإنسانية، وذلك بقيامها بتجنيد "الأطفال المتسولين" للالتحاق بصفوفها القتالية، مستغلة أوضاعهم الميؤوس منها لتطييفهم وجعلهم ضمن صفوف القتلى في المعارك التي لا تنتهي.

الملحوظ بشكل عام أن حركة التجنيد والدورات العسكرية تكثفت خاصة أن زعيم الجماعة في خطاباته الأخيرة يدعو للاستعداد لما يصفه الدفاع عن فلسطين ونصرة قطاع غزة الذي يتعرض لحرب شعواء من الكيان الصهيوني. ورغم أن "تجنيد الأطفال الممنهج" في صفوف الجماعة لم ينقطع منذ العام 2009 تقريباً، إلا أنه وفقاً لمنظمة "هيومن رايتسووتش" زاد بشكل ملحوظ في الأشهر القليلة الماضية خلال الحرب على غزة.

 

الجماعة وسط استنفارها العسكري، المصاحب للضربات الأمريكية والبريطانية على مواقع برّية في اليمن ضمن الرد على هجمات الجماعة في البحر الأحمر، تقول إنها افتتحت معسكرات تدريب وجعلت التحاق الأفراد للعسكرة والقتال "تطوعياً"، إلا أن ما هو حاصل يناقض فكرة التطوع، إذ تستهدف الجماعة أفراداً وفئات بعينها وتذهب بهم إلى دوراتها التثقيفية والعسكرية، بمن فيهم الفئة المسحوقة،الأطفال المتسولون والمشردون في الشوارع.

كيف يتم تجنيد المتسولين؟

مع صعوبة الأوضاع القهرية التي يعانيها المواطنون في صنعاء نتيجة للتدهور الاقتصادي والمعيشي وقطع المرتبات واشتداد الفقر والجوع، اتسعت رقعة ظاهرة التسولوازدادت بالأخص في صفوف الأطفال والنساء.

في ظل ذلك تعمل الجماعة على استقطاب أكبر قدر من الأطفال المتسولين، ووفقاً لمعلومات "النقار" يتم ضبطهم في محال تسولهم وضمهم إلى "مراكز إيواء" تابعة للجماعة لتلقي الدروس والمحاضرات في إطار "دورات ثقافية"خاصة بالجماعة، ويتم ذلك في المقام الأول عبر مكتب يتبع الجماعة هو "برنامج معالجة ظاهرة التسول" يعنى بالتخطيط ووضع السياسات المرتبطة باستقطاب الأطفال، وتحت شعار مكافحة ظاهرة التسول والحد من انتشارها.

 ويتم إخضاع الأطفال للدورات التثقيفية تحت عناوين التأهيل النفسي والاجتماعي والتعليمي، ويجري العمل في إطار تعاون مشترك لمكتب التسول مع وزارة الداخلية وهيئة الزكاة وغيرهما من الجهات المعنية، كما يتم إبلاغ أسر هؤلاء الأطفال بأن أبناءهم سيستفيدون من هذا الاستقطاب من خلال منحهم مشاريع صغيرة، في سبيل تعليق مئات الأسر على "أمل" أن تتحسن أوضاعهم المادية عبر المشاريع المزعومة، وذلك قبل إلحاقهم بجبهات القتال. 

كما يتم تزويد بعض الأسر بسلال غذائية من أجل إرسال أطفالهم، وهو ما تتخذه الجماعة أسلوباً ناجحاً مع الأسر التي تعاني من انهيار أوضاعها المعيشية.

 وتعود "النقار" بقرائها الكرام إلى ما قبل نحو ثلاث سنوات، عندما تكثفت تحركات أنصار الله في صنعاء لاستقطاب الأطفال المتسولين في الشوارع لإلحاقهم بدورات تثقيفية ثم عسكرية، وذلك بناءً على تعليمات لزعيم الجماعة "عبدالملكالحوثي" ألمح لها خلال خُطب رمضانية عام 2021.

في ذلك العام عملت الجماعة على تحركات استهدفت الأطفال المتسولين بعد أن دعا زعيم الجماعة إلى الاستفادة من الأعداد الكبيرة للمتسولين في الشوارع، قائلاً إن التسول "مهنة تهدر الكرامة وليست جيدة، وإذا كان هناك ظروف استثنائية لدى البعض فهناك مسؤولية عليهم من جانب وعلى المجتمع من جانب آخر" لاغياً بذلك مسؤولية "الدولة" عن معالجة المشكلة.

لكن عندما أرادت السلطة العمل ضد الظاهرة، أقرَّت إجراءات تنفيذية في نفس العام استهدفت استقطاب الأطفال دون غيرهم من المتسولين رجالاً ونساء، وشملت تلك الإجراءات إيداع الأطفال المتسولين في مراكز إيواء تولت هيئتا الزكاة والأوقاف الإنفاق عليها، ولم تقر إجراءات بخصوص كبح امتهان التسول في أوساط الرجال والنساء.

استهداف المتسولين

البرنامج المسمى بمعالجة ظاهرة التسول، يشرف أيضاً مع المعنيين الأمنيين على حملات ملاحقة نساء وفتيات يبدو من مظهرهن الرث أنهن متسولات، وتطال هذه الحملات النساء والفتيات سواء كُنَّ متسولات بالفعل أو غير متسولات، كعاملات التنظيف، ويتم مساءلتهن عن المبالغ التي بحوزتهن والاستحواذ عليها واعتقالهن كذلك.

صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرت أن الجماعة تقوم بالاستيلاء على المتسولين حتى من منازلهم من خلال تفتيشها بعد أن أصبح بعضهم يخفون عن الجماعة حقيقة ما يتم جمعه من محصول مالي يومي خشية مصادرتها هذا المحصول.

لم يتسنَّ لـ"النقار" التأكد من معلومة مداهمة منازل المتسولين، إلا أن متسولة بمنطقة تابعة لمديرية "شعوب" أكدت لـ"النقار" أن أفراداً مسلحين تابعين لسلطة الجماعة يستهدفون المتسولات النساء والمتسولين الأطفال كالآتي. 

تقول "فضليَّة" التي تعيش أوضاعاً سيئة لـ"النقار" إنه يتم مصادرة ما بحوزة من وصفتهنّ بـ"المطلّبات" من أموال، وتضيف: "يقولون إنهم يأخذون المال لمحاربة الشحاتة (التسول)، وقد أخذوا مني مالاً من قبل ثم تركوني في حال سبيلي"، مشيرةً إلى أن ذلك دفعها أكثر من مرة لحفظ أموالها لدى أحد سائقي الباصات وأخذها منه نهاية اليوم.

وعما إذا كانت الجماعة تقوم بأي إجراءات تصب في صالح النساء المتسولات، تنفي المرأة ذلك، وترى أن الأمر الوحيد الذي يشعرهن بقيمتهن لدى السلطة "هو عندما يتم إشراكنا في مسيرة نسائية كبيرة جوار حديقة الثورة بمقابل كم ما كتب الله" على حد قولها.

 الطفولة تحت التجنيد

 وحول تجنيد الأطفال المتسولين، سألت "النقار" عما إذا كانت المرأة على صلة بأطفال تم أخذهم من قبل الجماعة، لتؤكد "فضلية" أن ابن شقيقتها أُخذ منذ بداية العام الماضي.

تقول: "أخذوه قبل عام وهو ابن 13 سنة، وأبلغوا أسرته بأنهم ضبطوا الولد بسبب تسوله، وأنهم أخذوه لتعليمه صنعة يكسب بها من عرق جبينه، وقاموا بإرسال مصروف (سلة غذائية) لهم"، نافيةً أن تكون سلطة الجماعة قد قامت بمساءلة أسرته بسبب تركهم الولد للتسول. 

وتواصل حديثها: "الولد اختفى لأشهر طويلة بعيداً عن أهله، ورجع إلى البيت قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، وكان يقول لأمه إنه سيتعلم يرمي ويجاهد" في إشارة منها إلى أنه سيتلقى تدريباً عسكرياً.

وتؤكد "فضلية" أن ابن شقيقتها، المتسولة بدورها، عاد عقب تلك الزيارة إلى الجماعة سريعاً، ولم يعد إلى الأسرة بعدها، وتعتقد أنه سيكون "عسكري" معهم رغم أنه لا يزال طفلاً، كما تقول.

تركيز الجماعة على "الأطفال" بصفة عامة، بمن فيهم المتسولين، من أجل تجنيدهم، يأتي هدماً لخطة عمل وقعتها الجماعة مع الأمم المتحدة في 2022 تهدف إلى إنهاء الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال وتجنيدهم واستخدامهم في القتال.

ومثلما تأخذ الجماعة الأطفال المتسولين من الجولات والشوارع والأحياء لتجنيدهم، يتم أيضاً أخذ الباعة المتجولين الصغار، وكذلك الطلاب من مدارسهم، وإيداع هؤلاء الأطفال في مراكز إيواء لتلقي "فضائل الجهاد" مع أنصار الله. 

تقول هيومن رايتس ووتش إن أنصار الله يجعلون الأطفال يعتقدون أنهم سيقاتلون من أجل تحرير "فلسطين"، لكن الأمر ينتهي بهم بإرسالهم إلى الخطوط الأمامية في مأرب وتعز، وتضيف المنظمة أن "غزة التي يقصدها الحوثيون هي مأرب".

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية قامت الجماعة بتجنيد أكثر من 70 ألف مقاتل جديد من مختلف المحافظات، ورغم أن عدد المجندين الأطفال الجدد ليس واضحاً، إلا أن ناشطين حقوقيين نقلت عنهم المنظمة يرون أن الغالبية العظمى من المجندين تتراوح أعمارهم بين 13 و25 عاماً، بما فيهم مئات أو آلاف على الأقل أعمارهم تقل عن 18 عاماً. 

السلطة تستبدل طفولتهم بالقتال والحروب والاستغلال غير السوي، بدلاً من استثمار الموارد في توفير احتياجات الأطفال كالتعليم الجيد والغذاء والكرامة وتأمين المستقبل لصغار لم يدركوا من الحياة مع الجماعة سوى الحرب والفقر والحاجة، وتصيُّداً في الظروف العكرة تسلط الجماعة خططها على أطفال لجأ غالبيتهم مع أسرهم اضطراراً إلى الشارع للتسول وأخذ "حسنات" المارة والتعيش من وراء عادة مُذلة زادها "أنصار الله" توسعاً بين المجتمع، في البلد الذي يعيش أكثر من ثلثيه أساساً على المساعدات الخارجية.

 

شارك الخبر: