لا تمتلك الصين نفوذا على إيران كالذي تتوقعه الولايات المتحدة، وحتى لو كان ذلك صحيحا، فلن تستخدمه لدعم الأجندة الأمريكية المنافسة في الشرق الأوسط، بحسب أحمد عبوده، وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد "تشاتام هاوس" البريطاني (Chatham House).
عبوده أردف، في تحليل بالمعهد أن "جهود الصين تركزت حصرا على انتزاع ضمانات لحماية مصالحها المباشرة. ولا يوجد دليل يفيد بأنها كانت مهتمة بوضع مصداقيتها على المحك للضغط من أجل التهدئة الكاملة في البحر الأحمر".
وقال مصدر إيراني مسؤول إن "الصين قالت (لإيران): "إذا تضررت مصالحنا، فسيؤثر ذلك سلبا على أعمالنا معكم، لذلك على الحوثيين ضبط النفس". و"لم يمض وقت طويل قبل أن تؤدي تهديدات الصين إلى نتائج. ومنح الحوثيون السفن الصينية والروسية حصانة"، بحسب عبوده.
وتابع: "يوميا، تعلن أكثر من 30 سفينة تعبر البحر الأحمر عن ارتباطها بالصين. وتتمتع خطوط الشحن الصينية بممرها الآمن لمضاعفة نشاطها في الموانئ الإقليمية مثل دوراليه في جيبوتي والحديدة في اليمن وجدة في السعودية والسخنة في مصر".
وتضامنا مع غزة، التي تتعرض منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لعدوان إسرائيلي بدعم أمريكي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن تجارية في البحر الأحمر مرتبطة بإسرائيل، ومنذ يناير/ كانون الثاني الماضي، تشن الولايات المتحدة وبريطانيا هجمات على أهداف للحوثيين في اليمن.
مخاطر منخفضة
عبوده قال إن "الصين تتبنى هذا النهج منخفض المخاطر، القائم على الانتظار والترقب؛ لأنها لا تستطيع تحمل خيارات أخرى".
وتابع: "وربما يكون القادة الصينيون جادين بشأن تهديداتهم لإيران؛ فهم لا يريدون أن يضطروا إلى تبني تحول جذري في السياسة والقفز إلى المعركة بسبب غرق سفينة صينية أو تعرضها لأضرار جسيمة".
واستدرك: "لكن توقعات الولايات المتحدة من الصين فيما يتعلق بنفوذ إيران الإقليمي كانت مبالغ فيها، فبكين لا تتمتع بالنفوذ الذي تعتقد واشنطن أنه يمكن ممارسته على طهران".
"صحيح أن الصين اشترت 90% من النفط الإيراني في عام 2023، ما يعادل 10% من إجمالي النفط الذي تستورده الصين، لكن هذا الارتفاع جاء فقط بسبب تخفيف إدارة بايدن القيود على صادرات النفط الإيرانية، وليس كجزء من مبادرة صينية لإنقاذ الاقتصاد الإيراني"، كما أضاف عبوده.
وأردف أن "الاستثمارات الصينية تشكل نقطة خلافية في العلاقات الثنائية. ووقَّعت طهران وبكين اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" في مارس/ آذار 2021، والتي يعد الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في إيران ركيزة أساسية لها".
وأضاف: "مع ذلك، زادت استثمارات الصين بشكل طفيف بمقدار 185 مليون دولار فقط منذ ذلك الحين. بينما في الفترة نفسها، وقَّعت الصين عقود استثمار وبناء بقيمة 16.7 مليار دولار مع السعودية، و3.8 مليار دولار مع الإمارات، و3.6 مليار دولار مع الكويت، و2 مليار دولار مع قطر، و520 مليار دولار مع عمان".
علاقة متذبذبة
و"هذه العلاقة الاقتصادية المتذبذبة تحد من نفوذ الصين وتغذي إحباط المسؤولين الإيرانيين من إحجام بكين عن بذل المزيد من الجهد لتخفيف الضغوط على اقتصادهم"، وفقا لعبوده.
وتابع أن "هذا بدوره يخلق صدعا سياسيا داخل النخب الحاكمة في طهران حول مدى جدوى سياسة "النظر شرقا (نحو الصين)".
وزاد بأنه "حتى لو كان لدى الصين نفوذا على عملية صنع القرار الإيراني، فمن غير المتصور أن تستخدمه لدعم الأجندة الإقليمية لإدارة بايدن أو إنقاذها من معضلة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
و"تدرك الصين لعبة إيران الطويلة في المنطقة والثمن الباهظ الذي تلحقه بالموقف الأمريكي، خاصة وأن تقويض النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة يعطي ثقلا لبكين"، بحسب عبوده.
واستدرك: "لكن الصين لا تستطيع أن تدعم إيران صراحة في العلن؛ فبكين تلتزم بشكل صارم بسياسة عدم التدخل التي تسمح لها بموازنة علاقاتها مع إيران وخصومها العرب على الجانب الآخر من الخليج".
واعتبر أنه "من المنطقي بالنسبة للصين أن تتدخل مع إيران، ولكن فقط لضمان مصالح بكين، وطالما أن هذه المصالح محمية، سيكون لدى الصين حوافز أقل لممارسة المزيد من الضغط نحو التهدئة الكاملة".