خاص | النقار
تطل الأحداث على المواطن اليمني من فوهة بركان تحرقه صليات لهبها بلا رحمة. ليس في ما يحدث أن سلطة تحاول أن تغطي سوأتها بما تصبغه على نفسها من فضائل وبطولات، بل إنها فقط تغطي بذلك عجزها وفشلها في أن تكون سلطة أصلا، فتحيل كل ذلك الفشل والعجز إلى شيء اسمه "العدوان".
لم يكن هذا "العدوان" مجرد حالة فعلية تستلزم ردة فعل، بقدر ما حولته سلطة صنعاء إلى حالة وجودية بالنسبة لها، بحيث أصبح بقاء كل منهما مرهونا ببقاء الآخر، وبالتالي لم تعد مستعدة للتخلي عما تستمد وجودها وبقاءها منه، وهو افتعال الأزمات بحسب توصيف القيادي صالح هبرة، والذي أصبح في نظر سلطة صنعاء من المغضوب عليهم بعد أن كان رئيسا للمجلس السياسي للجماعة.
ثمة في النهاية فرق بين سلطة تنتج ثقافة حياة وأخرى تنتج ثقافة موت. هذا الفرق بين السلطتين لا يكمن في اجتراح البطولات، وإنما في التعامل مع الواقع بكل مسؤولية وإيجاد حلول راسخة لمشاكله، من منطلق أنها تعتبر من تحكمهم شعبا فعلا وليس قطيعا، وأن عليها مسؤوليات تجاهه أولا، بل وأن يكون هو أولويتها القصوى والضرورية باعتبار أنها لم توجد أساسا إلا من أجله. تلك هي السلطة التي تنتج ثقافة حياة.
أما سلطة "الحجر من القاع والدم من راس القبيلي" فلا يمكن أن تنتج سوى ثقافة موت، مهما أوجدت لها من شعارات براقة. فهذه الشعارات تنفضح مع أدنى سلوك في الواقع المعاش.
إنها سلطة قبورية تريد من الجميع أن يموتوا لتعيش هي، فتصنع لهم قبورا من جوع وقبورا من فقر وقبورا من جهل وقبورا من مرض، لتؤدي كل تلك القبور في النهاية إلى قبور من موت تحتفي بها على طريقتها في الحياة.
سلطة لا تأبه لمواطنيها ولا لحال من أحوالهم، وتريد منهم في ذات الوقت أن يأبهوا لها وأن يعتبروها دولة، فيما هي تواصل هدم مفاهيم الدولة في كل ممارساتها وتتركها فريسة وأكلة للآكلين. لا دستور تحتكم إليه ولا قوانين تحكمها بل هي الدستور وهي القانون.
سلطة تسلخ جفون الناس بلا رحمة ولا تستحي أن تطلب منهم المزيد: يا شعبنا اليمني العظيم تبرعوا وأنفقوا وجودوا ولا تبخلوا وأدوا ما عليكم. لا يحدث يوم دون أن يجد المواطن رسالة على هاتفه بالتبرع، ولا يذهب طالب إلى المدرسة دون أن يجد أمامه حزمة أنشطة تتطلب تبرعات، ولا يذهب المصلون إلى المسجد إلا وانبرى صوت يدعوهم للتبرع فضلا عن خطب الجمعة المكرسة أغلبها لهذا الشأن. فإن قام صوت وصاح من آخر الصفوف أنا جائع وأولادي لا نجد ما نأكل، دعا له مندوب تلك السلطة من على منبره بالصلاح والتوفيق وأن يشفى من داء أكل السحت. وربما يضيف جملة مفادها "الناس في عدوان وهذا همه بطنه".
إنها ببساطة سلطة صنعاء وقد جعلت من "العدوان" ديدنها الأبدي للتخلي عن كل مسؤوليتها وواجباتها، فهذا العدوان بالنسبة لها هو طولقة بن علوان التي يلقي الناس إليها آثامهم ويحرصون على تحميلها كل شيء.